منتديات بروف فياض
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Oou_ou10

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم
بالتسجيل
منتديات بروف فياض
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Oou_ou10

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم
بالتسجيل
منتديات بروف فياض
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةمجلةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد عزام
فضيلة الدكتور
فؤاد عزام


المشاركات : 379
التقييم : 10
النشاط : 591
سجل فى : 15/12/2009

أوسمة العضو : وسام التميز
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Avatar10


قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Empty
مُساهمةموضوع: قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي   قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 24, 2010 3:54 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الموعظة والخطبة والدرس والخاطرة و....إلى آخر أنواع الخطاب الذي يلقيه الواعظ على المستمعين ليس أمرا هينا بل هو عظيم ؛ ويعتبر نوعا من الفتيا التي حذر السلف الصالح من خطورتها ,ومما ورد في ذلك ما أخرجه الدارمي موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه : ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)) , والفتيا أو الفتوى توقيع عن رب العالمين كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله حيث سمى أحد كتبه : ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) فكأن المفتي قد أعد باجتهاده كلاما ثم مهره وختمه : ( الله رب العالمين ) .
والخطاب الوعظي الذي نسمعه من علمائنا أيا كان موضوعه ليس إلا نوعا من الفتوى لأنه يقال باسم الله وباسم رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكذلك لأن مساحة الاجتهاد الشخصي في إعداد ما يقوله الداعية مساحة عريضة تتجلى في اختياره لموضوع الكلام , وفي طريقة إعداده , وفي اختيار أدلته , وفي الدلالات التعبيرية للإلقاء , كل هذا ينتج عنه في النهاية موضوع سمعه الناس على أنه مراد الله منهم , أليس الأمر أخطر من أن نتصوره ساذجا هينا ؟ أليست عشوائية الاختيار , وانتقاص الأفكار , وحيف الاستدلال , وخداع الإلقاء , أليس ذلك كله يعتبر كذبا على الله ورسوله ؟.
وهذه الموبقات كلها تصدر عن موارد كثيرة , وما أريد التركيز عليه الآن منها مورد جليل الخطر , عظيم الأثر , عليه مدار الأمر , وهو الملكة العقلية التي يناط بها أمر الاختيار والإعداد والاطلاع والاستنباط , والتوجيه , أعني بهذا العقلية الإسلامية المتزنة التي تستطيع التعامل مع ما تطالعه من مادة وعظية مبثوثة في بطون الكتب القديمة والحديثة , في ضوء ثوابت الإسلام , وقواعده العامة , التي اشتهرت بين عموم الأمة , وأكدتها آيات الكتاب ووضحتها روايات السنة , ثم هي تتوافق مع قواعد العقل الحكيم , والمنطق القويم , والفكر المستقيم .
ففي ضوء هذه القواعد الثابتة يستطيع الداعية أن يميز بين الحق والباطل , بين ما يقال وما لا يصح أن يقال ؛ لمخالفته لقواعد الإسلام , ومشهور الأحكام ، وهو إن لم يفعل فإنه :
أولا : قد تقول على ربه ما لم يقله ,
وثانيا : قد بلغ عن نبيه ما لم يرده ,
وثالثا : خادع نفسه لأنه لم يقتنع أصلا بما يقول ،
ورابعا : خدع الجمهور وحشى رؤوسهم بمفاهيم خاطئة ،
وخامسا : شوه صورة الإسلام وكان داعية عليه لا له .
وسأضرب مثلا بقضية موقف الإسلام من الغنى والفقر والحياة الدنيا عموما , ولن أستبق الأحداث بتعليق مسبق على ما أريد بيانه , وسأضع بين يدي القارئ الكريم هذه القصة التي سمعتها من بعض الدعاة , وقرأتها في تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ ابن كثير-رحمه الله )- المتوفى 774هـ عند قوله تعالى : (﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)) (سورة الصافات الآيات 51, 52, 53).
يقول الحافظ ابن كثير :(( قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار أبو حفص قال: سألت إسماعيل السدي عن هذه الآية: { قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ } ? قال : فقال لي: ما ذكرك هذا ؟ قلت: قرأته آنفا فأحببت أن أسألك عنه؟ فقال: أما فاحفظ : كان شريكان في بني إسرائيل، أحدهما مؤمن والآخر كافر، فافترقا على ستة آلاف دينار، كل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار، فمكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت في مالك؟ أضربت [من المضاربة وهي معاملة شرعية تعني اشتراك متعاقدين أحدهما بالمال والآخر بالعمل] به شيئا؟ أتَّجرت به في شيء؟ فقال له المؤمن: لا فما صنعت أنت؟ فقال: اشتريت به أرضا ونخلا وثمارا وأنهارا قال: فقال له المؤمن: أو فعلت؟ قال: نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه، ثم قال: اللهم إن فلانا -يعني شريكه الكافر-اشترى أرضا ونخلا وثمارا وأنهارا بألف دينار، ثم يموت غدا ويتركها، اللهم إني اشتريت منك بهذه الألف دينار أرضا ونخلا وثمارا وأنهارا في الجنة. قال: ثم أصبح فقسمها في المساكين. قال: ثم مكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت في مالك، أضربت به في شيء؟ أتجرت به في شيء؟ قال: لا فما صنعت أنت. قال: كانت ضيعتي [أرضه وحديقته] قد اشتد علي مؤنتها، فاشتريت رقيقا بألف دينار، يقومون بي فيها، ويعملون لي فيها. فقال له المؤمن: أوفعلت؟ قال: نعم. قال: فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ ألف دينار فوضعها بين يديه، ثم قال: اللهم إن فلانا -يعني شريكه الكافر-اشترى رقيقا من رقيق الدنيا بألف دينار، يموت غدا ويتركهم، أو يموتون فيتركونه، اللهم، وإني اشتري منك بهذه الألف الدينار رقيقا في الجنة. ثم أصبح فقسمها في المساكين. قال: ثم مكثا ما شاء الله تعالى أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر للمؤمن: ما صنعت في مالك؟ أضربت به في شيء؟ أتجرت به في شيء؟ قال لا فما صنعت أنت؟ قال: أمري كله قد تم إلا شيئا واحدا، فلانة قد مات عنها زوجها، فأصدقتها ألف دينار، فجاءتني بها ومثلها معها. فقال له المؤمن: أوفعلت؟ قال: نعم. فرجع المؤمن حتى إذا كان الليل صلى ما شاء الله أن يصلي، فلما انصرف أخذ الألف الدينار الباقية، فوضعها بين يديه، وقال: اللهم إن فلانا -يعني شريكه الكافر-تزوج زوجة من أزواج الدنيا فيموت غدا فيتركها، أو يموت فتتركه، اللهم وإني أخطب إليك بهذه الألف الدينار حوراء عيناء في الجنة. ثم أصبح فقسمها بين المساكين. قال: فبقي المؤمن ليس عنده شيء. قال: فلبس قميصا من قطن، وكساء من صوف، ثم أخذ مرا فجعله على رقبته، يعمل الشيء ويحفر الشيء بقوته. قال: فجاءه رجل فقال: يا عبد الله، أتؤاجرني نفسك مشاهرة، شهرا بشهر، تقوم على دواب لي تعلفها وتكنس سَرْقينها[روثها ومخلفاتها]؟ قال: نعم. قال: فواجره نفسه مشاهرة، شهرا بشهر، يقوم على دوابه. قال: فكان صاحب الدواب يغدو كل يوم ينظر إلى دوابه، فإذا رأى منها دابة ضامرة، أخذ برأسه فوجأ عنقه، ثم يقول له: سرقت شعير هذه البارحة؟ فلما رأى المؤمن هذه الشدة قال: لآتين شريكي الكافر، فلأعملن في أرضه فيطعمني هذه الكسرة يوما ، ويكسوني هذين الثوبين إذا بليا. قال: فانطلق يريده، فلما انتهى إلى بابه وهو ممس، فإذا قصر مشيد في السماء، وإذا حوله البوابون فقال لهم: استأذنوا لي صاحب هذا القصر فإنكم إذا فعلتم سره ذلك، فقالوا له: انطلق إن كنت صادقا فنم في ناحية، فإذا أصبحت فتعرض له. قال: فانطلق المؤمن، فألقى نصف كسائه تحته، ونصفه فوقه، ثم نام. فلما أصبح أتى شريكه فتعرض له، فخرج شريكه الكافر وهو راكب، فلما رآه عرفه فوقف عليه وسلم عليه وصافحه، ثم قال له: ألم تأخذ من المال مثل ما أخذت؟ قال: بلى وهذه حالي وهذه حالك. قال: أخبرني ما صنعت في مالك؟ قال: لا تسألني عنه. قال: فما جاء بك؟ قال: جئت أعمل في أرضك هذه، فتطعمني هذه الكسرة يوما بيوم، وتكسوني هذين الثوبين إذا بليا. قال: لا ولكن أصنع بك ما هو خير من هذا، ولكن لا ترى مني خيرا حتى تخبرني ما صنعت في مالك؟ قال: أقرضته: قال: من؟ قال: المليء الوفي. قال: من؟ قال: الله ربي. قال: وهو مصافحه فانتزع يده من يده، ثم قال: { أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ . أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ } -قال السدي: محاسبون-قال: فانطلق الكافر وتركه. قال: فلما رآه المؤمن ليس يلوي عليه، رجع وتركه، يعيش المؤمن في شدة من الزمان، ويعيش الكافر في رخاء من الزمان. قال: فإذا كان يوم القيامة وأدخل الله المؤمن الجنة، يمر فإذا هو بأرض ونخل وثمار وأنهار، فيقول: لمن هذا ؟ فيقال: هذا لك. فيقول: يا سبحان الله! أوَ بلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟! قال: ثم يمر فإذا هو برقيق لا تحصى عدتهم، فيقول: لمن هذا؟ فيقال: هؤلاء لك. فيقول: يا سبحان الله! أوبلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟! قال: ثم يمر فإذا هو بقبة من ياقوتة حمراء مجوفة، فيها حوراء عيناء، فيقول: لمن هذه؟ فيقال: هذه لك. فيقول: يا سبحان الله! أوبلغ من فضل عملي أن أثاب بمثل هذا؟! قال: ثم يذكر المؤمن شريكه الكافر فيقول: { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ . أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ } قال: فالجنة عالية، والنار هاوية. قال :فيريه الله شريكه في وسط الجحيم، من بين أهل النار، فإذا رآه المؤمن عرفه، فيقول { تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ . وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ . أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ . إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } بمثل ما من عليه. قال: فيتذكر المؤمن ما مر عليه في الدنيا من الشدة، فلا يذكر مما مر عليه في الدنيا من الشدة، أشد عليه من الموت .)) ؟ أ:هـ
نظرات في هذه القصة
هذه هي القصة كما وردت عن إسماعيل السدي , ولا أريد الانعطاف إلى الحديث عن سند القصة أو أشير إلى اختلاف العلماء في إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (وهو السدي الكبير ) وإلى اختلافهم في أمره بين موثق ومضعف , لا أريد هذا الانعطاف ؛ فلرب قصة لا سند لها ولكنها صالحة للاستشهاد بها لاتفاقها مع مبادئ الإسلام , وربما تكون قصة أحد ممن يعيشون في زمننا , وكذلك لكي أستطيع التركيز على ما أشرت إليه من وجوب نظر الداعية في مثل هذه القصص بعين ناقدة , على أساس متين من قواعد الإسلام ومبادئه المعلومة لكل أحد.
فانظر أخي الكريم إلى هذين الموقفين موقف الكافر , وموقف المؤمن وقل أيهما أقرب بعمله إلى مبادئ الإسلام ؟
لقد سألت نفسي هذا السؤال وأجبت بالآتي :
أولا : وجدت للكافر حركة عمرت الحياة الدنيا فأفاد نفسه , وأفاد غيره فهو : قد اشترى أرضا ونخلا, وعبيدا لا يملكون حتى الحق في الحياة إلا بإذن أسيادهم , فوفر لهم عملا يعمرون به الأرض ويرتزقون منه , واجتهد أن ينمي ماله أحسن الإنماء فيزداد ثراء وغنى وتكون يده هي اليد العليا ثم إنه تزوج ، والزواج ضمان شرعي لاستمرار الحياة البشرية وامتدادها وبهذا يكون هذا الكافر قد تربع على دست خلافة الأرض .
لكنه وإن عمر الدنيا فقد خرب الآخرة وعاش قلق النفس مظلم الروح ناكرا لجميل ربه الذي خلقه , وأنعم عليه , فأذهب طيباته الأخروية في الحياة الدنيا واستمتع بها ويوم القيامة سيصلى أليم العذاب .
أما المؤمن فوجدته ساكنا خاملا كلما سأله صاحبه : أتاجرت في شيء أعملت شيئا ؟ يجيب : لا . فلم يفد نفسه بشئ وربما أفاد المساكين بالصدقة التي بدد فيها رأس ماله ولكنها إفادة وقتية انتهت بفقره المدقع , فكأنه أعطاهم السمكة فأكلوها وذهبت مذهب الطعام في البدن ومن البدن , وليته أعطاهم شبكة يكفون أنفسهم بها كما فعل صاحبه .
ثانيا : كما أن تصور هذا المؤمن للحياة الدنيا تصور خاطئ , فهو يعقب على كل نعمة تحصل لصاحبه من بساتين وقصور وعبيد وزوجة بقوله : (ثم يموت ويتركها) , فكأنه يتصور أن ما يحصله الإنسان من نعم , وما يقتنيه من متاع , لن يفيده من حيث إنه سيفارقه بالموت وهذا نظر قاصر ؛ متشح بالأنانية , ولو عمل به الناس جميعا لفسدت الأرض ولن يترك والد لبنيه بيتا يسترهم , ولا لورثته مالا يغالبون به بنود الفقر وجنود الجوع , ولكن العقل الحكيم يقضي بأن نغرس النخل لنطعم من بعدنا كما غرس السابقون لنا وفي الحديث الشريف :((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها )).
وكذلك تصورهذا المؤمن الطيب أن عمل الدنيا يفترق عن عمل الآخرة , وهذا غير صحيح فالأعمال بالنية الصالحة تتحول إلى عبادات , وعندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه يشيرون إلى رجل قوي البنيان قائلين
((...لو كان هذا في سبيل الله .... فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يسعى على أبويه شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على ولد صغار فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على نفسه ليغنيها فهو في سبيل الله )) سنن البيهقي الكبرى ج7/ص479.
ثالثا : كما أن سوء حال المؤمن في تفكيره , وخطأه في تقديره , كان – لو صحت القصة – أكبر دعاية ضد دينه , فالذي ينظر إليه سيعتقد أن دينه هو الذي أمره بالسفه والتبذير وبسط كفيه كل البسط في تبديد ماله حتى قعد ملوما محسورا, وأن دينه هو الذي ألبسه ثوب الذل بعد العز , وألجأه إلى بؤس الفقر بعد نعيم الغنى , وأمره بالكسل والخمول بدل أن يأمره بالضرب في الأرض والسعي في مناكبها , وأن دينه هو الذي ألجأه أن يتذلل للكافر وأن يستجدي منه لقمة يأكلها وثوبا يستر عورته . ودينه من ذلك براء .
وفي الضفة الأخرى ترى أن نجاح الكافر في تدبير أموره , كان – لو صحت القصة – أحسن دعاية لدينه, فحسن اقتصاده في ماله , ونفعه لغيره ، وتعلق أرزاق الناس بأرضه , ونخله , وثمره , وقصره , وغناه , كل ألئك كفيل بإقبال الناس عليه وعلى دينه , فالناس كما يقول سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه : ((الناس عبيد أموالهم , والدين لغو على ألسنتهم ما درت به معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون )) أي المتدينون .
نعم , ورحم الله سيدنا الحسين , فعبارته تلك ما أضاءت إلا من مشكاة القرآن الكريم و فالله تعالى لم يطلب من آدم عليه السلام العبادة إلا بعد أن طمأنه على ضرورات حياته قال تعالى :((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى) (طـه 118, 119) وكذلك ما طلب من قريش أن يوحده ويعبدوه إلا بعد أن من عليهم بالطعام والأمان ((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)) (قريش:3 , 4) فلا يحق أن تدعو من فقد مقومات حياته الأساسية إلى الصلاة والزكاة والصيام , كيف وهو جائع لا يستطيع النهوض وفقيرلا يملك المال , وبهذا كان الغنى الذي اختاره الكافر إغراء بدينه وأي إغراء، وكان الفقر الذي آثره المؤمن تحذيرا من دينه وأي تحذير , ولقد تألمت من الموقف الأخير بينهما, وأصبت بغصة عندما قال الكافر لصاحبه ((ولكن لا ترى مني خيرا حتى تخبرني ما صنعت في مالك؟ قال: أقرضته: قال: من؟ قال: المليء الوفي. قال: من؟ قال: الله ربي. قال: وهو مصافحه فانتزع يده من يده، ثم قال: { أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ . أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ }))
رابعا : لا يمكن قبول هذا الموقف من المؤمن لمخالفته لمبادئ الإسلام المعلومة المشهورة , فالإسلام يعتبر الإنسان خليفة الله في الأرض ليعمرها , ليحيل صحراءها جنانا , وليجعل قحلها ريانا , ولذا أمر بالسعي والعمل قال تعالى : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (التوبة:105).
والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكسل واستعاذ بالله منه (( وأعوذ بك من العجز والكسل )) وكانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه كلها عملا وجهادا وإعمارا للأرض , ولكم نفع المال دعوة الإسلام ورفع راية الإيمان , فالنبي صلى الله عليه وسلم يشهد أنه ما نفعه مال أحد كما نفعه مال أبي بكر , وسيدنا عثمان رضي الله اشترى بئر رومة , وجهز جيش تبوك من ماله الخاص , وكان لدى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من الذهب ما يقطع بالفؤوس , وغيرهم وغيرهم من أغنياء الصحابة رضي الله عنهم , فقد ثمروا أموالهم وتصدقوا منها على العاجزين ونفعوا بها عامة المسلمين , ولم يفهموا أن القربى إلى الله تعني تبديد المال ووقف الحال كما فعل صاحبنا في القصة , وغير هذا كثير مما يمكن قوله في هذا الباب , ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .
خامسا : كما أن عمل كل من المؤمن والكافر لم يصب الكمال , ولا اجتمع له زين الفعال ، فأحدهما مالت به الدنيا فحرمته من الآخرة , والآخر فهم أن عمل الآخرة لا يصلح مع متاع الدنيا فحرم من زينتها , ولكن العمل المتكامل هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) (القصص:77) وعلى هذا الأساس ينبغي أن تكون العظة إذا أردنا الحديث عن الدنيا والآخرة .
سادسا : ثم إن الشيخ الذي يستدل بمثل هذه القصص الرافض للحياة الدنيا اللاعن لها صادعا بها من فوق المنبر أو في محفل ما , إنما يتحدث خارج الزمن لأن الجمهور الذي كان يقبل هذه القصص في زمن غابر قد تغير , وعقله الآن قد تنور , وصار لديه ألف مصدر ومصدر يحدثه عن الدين وأحكامه , ومبادئه ونظامه , فيستطيع الآن أن يقارن , ويستمع من هنا وهناك ثم يوازن , ولن يعدم الحقيقة الناصعة , فلم يعد ( عالِم الجامِع ) المصدر الوحيد للمعرفة الدينية , ولا أباعذرة الثقافة الإسلامية .
وفضلا عن كونه خارج الزمن فإنه أيضا – ربما عن حسن نية وربما عن كسل الله أعلم – يخدع نفسه بمثل هذا القصص الفارغ , لأنه أول المتحللين مما يدل عليه هذا القصص َفَأِرني أي مشتغل بالدعوة الآن لا ينافس غيره في متاع الدنيا – وليس عيبا مادام ذلك تنافسا شريفا – ويحرص على تحصيلها ، فهو لا يزال طالبا في كليته ويحلم بالوظيفة , ويتمنى السفر , ثم لا يزال في طلب المزيد حتى يقضي عمره في بقعة من بقاع الأرض المشبعة بالبترول أو الذهب , فلماذا إذن يقف على المنبر يلعن الدنيا وزينتها و ومن ذا الذي حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ؟ لقد قضى الله أن تكون للذين آمنوا في الحياة الدنيا يسابقون فيها غيرهم ثم تكون لهم خالصة يوم القيامة . أضف إلى ذلك أنه بحديثه هذا يخادع الناس والناس يعلمون , حتى ولو أظهروا التأثر , وأبدوا التعاطف , لما يستمعون من قصة بالية الأفكار , واهية النسج , لا تدخل العقل حتى يلج الجمل في سم الخياط , فأمامه مثلا الفلاح الذي يكد ويشقى مجاهدا في سبيل الله ليستر أهله وورثته من بعده بتوسيع رقعة الأرض , وتوفير ما استطاع من مال , هذا الفلاح الشريف يُصَدِّقُ من يحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما أراد أن يفعل فعلة صاحب القصة المؤمن فيتصدق بماله كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : الثلث والثلث كثير (( وإنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )) يُصَدِّقُ المستمعُ هذا لاتساقه مع عقله , وانسجامه مع فطرته ، ولكن لن يصدق من يقول له : اللهم إن فلانا اشترى فدانا وأنا أشتري منك فدانا في الجنة ثم يتصدق بفدانه الوحيد على المساكين , وعلى هذا فقس الموظف , والعامل , .....إلخ .
أخي الداعية ..هذه خطة رشد دعوت نفسي إليها قبل أن أدعوك , فأنت أحد الموقعين عن رب العالمين , فلتوقظ عقلك من سبات عميق , ولتحرر نفسك قيد التقليد الوثيق , ولتنظر فيما تقول في ضوء ما تعلمه من مبادئ دينك العامة ,. وقواعده الكلية , وحسبي وحسبك ما كان من أمر هذا المثال , وما قيل فيه من مقال . والله من وراء القصد .


عدل سابقا من قبل فؤاد عزام في الخميس ديسمبر 16, 2010 9:30 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد فياض
المدير العام
المدير العام
محمد فياض


المشاركات : 2169
التقييم : 6
النشاط : 5061
سجل فى : 26/05/2009

أوسمة العضو : وسام التميز
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Avatar10


قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي   قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 25, 2010 4:23 am


صدقت فيما اعتقدت

فهو مثال محير فعلا فافعال المؤمن خيرا دليل على فهمه الخطأ لدينه

ولا اعرف ان كان زهدا ام لا وهل الزهد فى الدنيا يقضى بعدم التمتع بخيراتها

قال تعالى ::{قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتَّقى ولا تظلمون فتيلا} (سورة النساء/77).

وفى تفسير هذة الاية الكريمة

اجد المتمسكين بذم الدنيا يستدلون بها ولو تتبعنا بداية الاية

قال تعالى :{ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا}

فقد نزلت هذة الاية فيمن طلبوا الجهاد كفرض فلما فرض شق عليهم

فما بالنا لو تمتعا فى الدنيا بما يرضى الله وتمسكنا بديننا واسسة الخمس

وبعدنا عما يغضب الله اليس هذا طريق للآخرة



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فؤاد عزام
فضيلة الدكتور
فؤاد عزام


المشاركات : 379
التقييم : 10
النشاط : 591
سجل فى : 15/12/2009

أوسمة العضو : وسام التميز
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Avatar10


قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي   قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 25, 2010 6:08 pm

صدقت وأصبت
وهذا الاستدلال الذي ذكرته يا أستاذ محمد مثال واضح على أن الذين يذمون الدنيا مطلقا
ينطقون ببعض الكتاب ويتركون بعضه
ويذكرون بعض الأحاديث وينسون بعضها
وهكذا نعاني من النظرات الجزئـية والانتقاء في البحث .
جزاك الله خيرا على تعليقك المفيد وملاحظتك القيمة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عمر بن الخطاب
» ومع خطبة الجمعة 2/4/2010وتكملة سلسة المصطفى قدوتنا لفضيلة الشيخ خالد فرج (وتعليق )
» نظرة على معالجة المياه
» نظرة وجولة شاملة فى انتخابات مجلس الشعب المصرى 2010

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بروف فياض :: (¯`°•.¸¯`°•. المنتديات الإسلامية .•°`¯¸.•°`¯) :: منتدى الثقافة الإسلامية-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» مفتاح تفعيل windows 7 ultimate n activation النسخة الاوروبية
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 15, 2020 8:57 pm من طرف safy990

» تحميل ويندوز سفن 64 بايت كاملة ألية تورينت win 7 64 bite torrent
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالأحد نوفمبر 15, 2020 8:53 pm من طرف safy990

» تحميل برنامج QuickBooks كويك بوكس كامل بالسيريال روابط سريعة على الميديا فاير
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 23, 2020 12:24 pm من طرف nany4mg

» الدولية كلين للتنظيف الشامل بجدة - 0555665145
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالخميس أبريل 12, 2018 9:57 pm من طرف alrafay

» نظف خزانك وحافظ على نقاء المياه
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2018 2:30 am من طرف احمدالسيد299

» تحلية مياه البحر المالح
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2018 2:27 am من طرف احمدالسيد299

» تعقيم وتنظيف خزانات المياه يحافظ على الماء نقيا فترة طويلة
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2018 1:51 am من طرف احمدالسيد299

» الدولية كلين للتنظيف الشامل بجدة - 0555665145
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 28, 2018 5:12 pm من طرف alrafay

» الدولية كلين لعزل الخزانات بجدة -0555665145
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالجمعة فبراير 09, 2018 1:10 am من طرف alrafay

» شركة تنظيف شقق بجدة-0555665145
قصة وتعليق ..نظرة في الخطاب الدعوي I_icon_minitimeالإثنين يناير 22, 2018 6:36 pm من طرف alrafay



Copyright © proffayad.yoo7.com 2008-2009. All rights reserved
Home of Exclusive
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات بروف فياض
2009-2010

free counters