فؤاد عزام فضيلة الدكتور
المشاركات : 379 التقييم : 10 النشاط : 591 سجل فى : 15/12/2009
أوسمة العضو :
| موضوع: الحج والزيارة ...نفحات من خواطر الأدباء السبت نوفمبر 13, 2010 12:36 pm | |
| حج البيت الحرام وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام أمنيتان يتعلق بهما قلب كل مؤمن قانت لله , وعندما يمنُّ الله تعالى عليه بالوصول إلى هذه الأماكن الطاهرة يجد في قلبه من رهيف المشاعر ونور الخواطر مالا يستطيع أن يصفه ، ويمكن أن تلمس ذلك عندما تجالس الحجيج بعد عودتهم , فتجد الواحد منهم يريد أن يصف مشاعره , وما أحس به عندما وقعت عيناه على (الكعبة) لأول مرة في حياته , وما وجده في نفسه عند أداء المناسك , وعن مشاعره عندما خطا أولى خطواته متوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فتجده عاجزا عن الوصف محصورا عن الاسترسال في الكلام ثم يخرج من هذا الموقف بالتعبير عن عجزه هذا بقوله (حاجة ما تتوصف ربنا يوعدك) (ما أقدر أن أتكلم ..ربنا يكتبها لك أنت و كل المسلمين) , وهذا الجواب على ما يحتويه من بلاغة الصمت لا يزيد السائل إلا شغفا على شغف ولكن من حسن حظنا – نحن القاعدين – أن الله تعالى قد وهب أناسا القدرة على التعبير عما يعتمل في نفوسهم , والإفصاح عما يجول في خواطرهم , فأمتعوا من لم يشاهد أيما إمتاع , وأسعدوا المشوق أيما إسعاد ، أولئك هم أهل الأدب من كتاب وشعراء . ومنهم ذلكم الأديب الألمعي أستاذنا الدكتور محمد رجب البيومي -عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة في الثمانينات ورئيس تحرير مجلة الأزهر حاليا – فقد سطر بعض ما جال في صدره من خواطر أثناء تأديته المناسك في قصيدة رائعة نشرت بمجلة (الحج) السعودية وهذا المقطع منها يصور مشاعره وهو في منزل الوحي , فهو يتخيل أن صخور حراء تتكلم بلغتها وتعلن أنها أول الكائنات التي سمعت أول كلمات الوحي إلى الأمة المحمدية , ولذلك حق لها أن تفخر وأن تتباهي , ولم لا ؟ لقد شاهدت الروح الأمين جبريل عليه السلام وهو يقرأ أول كلم الوحي على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم , سمعت ذلك قبل إن يسمعه إنسان , وهذا شرف لو كان للبدر لتفاخر به ولكن أنى له ذلك ؟ يقول شاعرنا : تسمَّع للأباطح حين تمشي فإن لكل ناحية لغاها لتلك منازل الرحمن أصغت لأول آية دوى صداها تبخترت الحجارة في حراء بربك أي إحساس دهاها؟ ترى الروح الأمين سعى إليها يسامر عندها بالوحي طه فلم لا تنتفض تيها بمجد لو ان البدر أحرزه تباهي ؟
وهذا شاعر آخر تعلق قلبه بالبيت العتيق , وتاقت روحه إلي رحابه , غير أن العذر أقعده , والفقر قيده ، وعزاؤه الوحيد أن الأعمال بالنيات , ولعل الله الكريم يرفعه بذلك درجات ,فهو يخاطب الحجاج معلنا أنكم إن كنتم قد سرتم بأجسامكم فإنا نسير معكم ولكن بأرواحنا , ولئن منعتنا الأعذار فإننا بنيتنا الصادقة شاركناكم في كل منزل نزلتموه وكل واد قطعتموه. قال الشاعر : يارائحين إلي البيت العتيق قد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر وعن قدر ومن أقام على عذر فقد راحا وقد صدق الشاعر ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين تخلفوا عن غزوة تبوك مكرهين: (( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالاً مَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا وَلاَ سَلَكْتُمْ طَرِيقًا إِلاَّ شَرِكُوكُمْ فِى الأَجْرِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ)) [أخرجه ابن ماجة من حديث جابر رضي الله عنه]
وبعد زيارة البيت العتيق يتجه الحاج المدينة المنورة مثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وتتنوع مشاعر الأدباء أمام هذا المشهد العظيم فمثلا الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – يقول : (( وعندما زرت المدينة توجهت إلى قبر الرسول الجليل , وكانت المشاعر التي تنبعث من قلبي تطن في أذني . فلما تبينت لي معالم الضريح يممت شطره وأنا أتضاءل في نفسي . وكأني كرة تتضاءل تحت أقدام عملاق ..وسلمت بالعبارة التي شرع الله , لم أزد عليها إلا بيتا من الشعر لم أدر ما وراءه لما عراني من اضطراب غمغمت به شفتاي ولم تسمعه أذناي : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه.. فطاب من طيبهم القاع والأكم ثم انصرفت ..)) [فقه االسيرة ص 56] ولكن الشيخ لم ينصرف قبل أن يسجل ملاحظة جديرة بالتأمل يقول : ((في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة رأيت حشدا من الناس يتلمس جوار الروضة الشريفة ويود أن يقضي العمر بجانبها . ولو خرج النبي صلى الله عليه وسلم حيا على هؤلاء لأنكر مرآهم وكره جوارهم إن رثاثة هيئتهم , وقلة فقههم , وفراغ أيديهم , وضياع أوقاتهم , وطول غفلتهم تجعل علاقتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أوهي من خيط العنكبوت. قلت لهم : ما تفيدون من جوار النبي صلى الله عليه وسلم وما يفيد هو منكم ؟. إن الذين يفقهون رسالته ويحيونها من وراء الرمال والبحار أعرف بحقيقة محمد صلى الله عليه وسلم منكم .)) [فقه السيرة ص 22]
دعك الآن من حرارة عاطفة الشيخ الغزالي وحدة قلمه عندما يرى ما لا ينبغي , وتعال نعد إلى جمال الروضة الشريفة , وبهاء الأنوار اللطيفة ، مع أمير الشعراء شوقي حيث ينادي في قصيدته (( إلى عرفات )) الذاهب لزيارة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ويناشده إذا زار القبر الشريف وقبل موطنا ضم الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ويناشد الزائر إذا فاضت عيناه من الدمع وإذا رأى الأنوار تشرق تحث الثنايا وهي الأماكن البارزة من الجبال وإذا اشتم ريح الأريج الفواح الطيب يضوع وينتشر في كل مكان وتحت كل حصاة عند ذلك يطلب إلى الزائر أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يبثه ما يعتلج في صدره من حسرات على حال الأمة التي تركها أمة واحد فإذا هي اليوم أمم شتى يعادي بعضهم بعضا ويعين بعضهم الأعداء على بعض مع أن القرآن والسنة وهما أخص أسباب وحدتهم ما زالا في أيديهم !!
إذا زرت يا مولاي قبر محمد وقبلت مثوى الأعظم العطرات وفاضت من الدمع العيون مهابة لأحمد بين الستر والحجرات وأشرق نور تحت كل ثنية وضاع أريج تحت كل حصاة فقل لرسول الله: ياخير مرسل أبثك ما تدري من الحسرات شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران : ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات وذلك ماضي مجدهم وفخارهم فما ضرهم لو يعملون لآتي؟ فقل رب وفق للعزائم أمتي وزين لها الأفعال والعزمات .
أما هذا الشاعر فإنه وقد ألقى رحله وتنفس الصعداء أما القبر الشريف فإنه يعلن عن رضاه بما وصل إليه من مراده ويعلن عن فرحته التي لا تقدر , وعن راحته التي لا توصف ، وعن قناعته بما وصل إليه من نعيم الدنيا فهو لا يريد بعد ذلك شيئا ..
بلغت مرادي ونلت المنى وزاد سروري وزال العنا فماذا الذي أبتغي بعدها وهذا الرسول وهذا أنا
وبعد هذه الجولة العاطفية في رحاب الأدباء أقول إن الحج والزيارة عند كثير من الناس إنما هما مشروع تكميلي من بين مشاريع الحياة فإن تيسرا بعد الفراغ من شغل الدنيا فبها ونعمت وإن لم يتيسرا فما المشكلة ؟ إنهما لم يتيسرا وانتهى الأمر , وانتهى العمر !!. وكثير من الناس يقضي الحياة في كفاح دائب من أجل الأولاد ومن أجل ما سيرثه الأولاد فهو دائما يبحث عن التوسعة في المال والأرض والعقارات من أجل ورثته دون أن يخطر على باله أن حج البيت خمس دينه وأنه أول ما يجب عليه إذا استطاع وأن من العلماء من قال إن الحج واجب على الفور إذا تحققت الاستطاعة ومع ذلك يفرط ولا تجد لهذا الدافع العاطفي أثرا يذكر عند هؤلاء البائسين , وتمر الأيام سراعا وتعتل الصحة , ويقيده المرض بقيد من حديد , ويتخلى عنه القريب , ويستعجل ورثته ملك الموت ويستجيب ملك الموت ويحمل على الأعناق إلى مثواه الأخير , فيا ليته أكمل دينه قبل هذا الخسران المبين . | |
|
محمد فياض المدير العام
المشاركات : 2169 التقييم : 6 النشاط : 5061 سجل فى : 26/05/2009
أوسمة العضو :
| موضوع: رد: الحج والزيارة ...نفحات من خواطر الأدباء السبت نوفمبر 13, 2010 6:23 pm | |
|
صدقت فيما قدمت فامنية زيارة البيت الحرام ترواد كل مسلم
وفعلا عندما نجلس مع من زار البيت العتيق نجدة فعلا عاجزا عن الوصف
مع بلاغتة وعلمة
اللهم اكتب لنا زيارة بيتك ورؤية حبيبك
صلى الله على محمد وآله صلاة نملئ بها قلوبنا أمنً و إيمانا
ومحبة وعرفانا وعلى آله وصحبة وسلم
| |
|
فؤاد عزام فضيلة الدكتور
المشاركات : 379 التقييم : 10 النشاط : 591 سجل فى : 15/12/2009
أوسمة العضو :
| موضوع: رد: الحج والزيارة ...نفحات من خواطر الأدباء السبت نوفمبر 13, 2010 8:30 pm | |
| جزاك الله خيرا أستاذ محد أخيرا رأيت تعليقك بعد غياب أسأل الله أن يجمعنا في الروضة الشريفة | |
|