شهر رمضان الفضيل علي الأبواب بينما دخلت صناعة الدواجن في مصر مرحلة معقدة فأكثر من60% من إنتاج الدواجن تبدد مع وباء انفلونزا الخنازير.
وكبار المستثمرين يبدون كأنهم ينتظرون مزيدا من تعطيش السوق سعيا لمزيد من الربح أو هدف آخر لا يعرفه سواهم بينما الاستيراد أصبح بطل المشهد المأساوي لصناعة كانت يوما حلما جميلا لآلاف من صغار المستثمرين المصريين. والنتيجة دفن شرعي لصناعة وطنية ناجحة واتفاقيات حكومية صغيرة وموسمية مع مستوردين كبار من أجل توفير دجاجة مقبولة الثمن, بينما شهد الشتاء الماضي دفن أكثر من50% من أمهات الدواجن دون أن يشعر أحد حتي وزير الزراعة المسئول عن هذا الملف الساخن ومازالت أدراج مكتبه مغلقة علي قرارات وتوصيات وخطط لإنقاذ الصناعة التي دمر نصفها تقريبا, وأصبح النصف الثاني تحت تهديد الاحتكار والاستيراد!
منذ أيام وصلت نصف كمية الصفقة المتعاقد عليها بين الحكومة المصرية ممثلة في الشركة القابضة للأغذية ووكيل إحدي كبريات الشركات البرازيلية المنتجة للدجاج.. الكمية التي تبلغ ألف طن تقريبا تسلمتها الشركة بينما تنتظر النصف الثاني خلال أيام قادمة, في حين يؤكد الدكتور أحمد الراكيبي رئيس الشركة القابضة أنها لا تتفاوض إلا مع بعض كبار المنتجين المحليين لتوريد ما يزيد عن120 طنا.. الصفقة برغم أنها لا تمثل سوي نسبة ضئيلة من حجم الاستهلاك المحلي خاصة في شهر رمضان إلا أنها وكما قال الراكيبي, محاولة لضبط الأسعار التي انفلت زمامها في الفترة الأخيرة.
ويقول عنها رئيس الشركة القابضة: نهدف لتوفير نحو3000 و200 طن دجاج مجمد قبل حلول شهر رمضان ليتم تقديمها للمستهلك عبر المجمعات التابعة للشركة بأسعار ستكون في حدود16 جنيها ونصف الجنيه فقط للكيلو بينما من المتوقع أن تصل أسعارها خارج المجمعات عالميا بين18 و19 جنيها للكيلو, وهي محاولة لتوفير الدجاج بأسعار مناسبة في شهر رمضان الذي يشهد استهلاكا كبيرا للحوم والدواجن.
خالد أبواسماعيل وكيل الشركة المستوردة للدواجن التي تعاقدت معها الشركة القابضة ـ يشير إلي أن صفقة الدجاج التي عقدتها الشركة حصلت بموجبها علي نصف الكمية التي تجلبها شهريا بينما تبلغ كمية الدجاج التي يستوردها سنويا نحو20 ألف طن فقط ويؤكد أن الاسعار التي تمت بها الصفقة لا تحقق لشركته أي ربح, حيث يتم توريد الدجاج بنحو15 جنيها ونصف الجنيه فقط للكيلو وهو سعر أقل من أي سعر يتم تقديمه لأي قطاع آخر.
المحاولة التي يتحدث عنها الدكتور الراكيبي والعرض المغري الذي وفرته الشركة المستوردة يراها الكثيرون وعلي رأسهم العاملون في مجال صناعة الدجاج دليلا علي تردي أوضاع صناعة الإنتاج المصري وحاجة السوق لتوفير الدجاج بعد أن قل لدرجة كبيرة حجم الإنتاج المحلي الذي يري الدكتور عبدالعزيز السيد رئيس شعبة منتجي الدواجن بالغرفة التجارية أنه700 ألف دجاجة يوميا ويقول: ننتج الآن نحو مليون ونصف المليون دجاجة بينما يفترض ان يكون إنتاجنا نحو2 مليون و200 ألف دجاجة أي أن لدينا عجزا نحو700 ألف دجاجة يوميا ويزيد حجم الاستهلاك في المواسم وعلي رأسها شهر رمضان بنسبة25% أي يجب ألا يقل حجم ما يتم توفيره يوميا في رمضان عن2 مليون ونصف مليون دجاجة أي أن لدي عجزا نحو مليون دجاجة.
قادم لا محالة
كلام رئيس شعبة الدواجن يعني ببساطة أن ارتفاع أسعار الدجاج في رمضان قادم لا محالة أيضا ويوضح المزيد من أبعاد المشكلة الأكبر, وهي انهيار جزء غير قليل من صناعة الدجاج كما يضيف: في نهاية2009 أصدر وزير الزراعة حزمة من القرارات المنظمة للصناعة ومنها تأكيده أن نهاية عام2009 هو آخر دورة إنتاجية في مزارع الوادي والدلتا وهو القرار الذي اعترضنا عليه وقتها لأن الدلتا والوادي تنتج نحو70% من انتاج مصر من الدجاج مما يعني القضاء نهائيا علي الصناعة وبرغم ذلك فواقع الحال الآن أن30% من المزارع الصغيرة تم إغلاقها تماما وبدأنا ندخل مرحلة الاحتكار من قبل عدد من الشركات الكبري التي لا يزيد عددها عن13 شركة فقط هي التي تستطيع الاستمرار ولا أحد يهتم بالباقين خاصة أن الدولة كانت قد رفعت يدها عن الصناعة منذ سنوات عندما باعت الشركات التي كانت تابعة لها لدرجة أني شخصيا أعرف أحد أصحاب المزارع الكبيرة الذي أبلغ عن إصابات بانفلونزا الطيور أصابت الأمهات عنده ولم يهتم أحد وهناك إصابات ضخمة حدثت هذا الشتاء والنتيجة أننا فقدنا تقريبا نحو50% من أمهات الدواجن وارتفعت لذلك أسعار الكتاكيت ارتفاعا كبيرا وصل من3 جنيهات لثمانية ونصف الجنيه, ويمكن أن يصل لعشرة جنيهات لأن أصحاب المزارع الكبري استغلوا الأزمة ورفعوا الأسعار بينما دفع الثمن صغار ومتوسطو المنتجين.
الشركات متهمة
الشركات الكبري التي أكد بعض صغار المنتجين أنها حققت أرباحا خيالية منذ بداية الشتاء الماضي ـ عندما حدثت إصابات ضخمة في الأمهات ـ باتت متهمة بأنها السبب الرئيسي في رفع أسعار الدواجن مؤخرا بعدما أصبحت تتحكم في كميات المعروض من الدواجن سواء الحية أو التي تم ذبحها في مجازر بعض الشركات التي لديها مجازرها الخاصة, إحدي هذه الشركات والتي انهت كل التصاريح الخاصة بها منذ نوفمبر الماضي وبموافقة شخصية سريعة من وزير الزراعة شخصيا والتي حصلت علي مساحات شاسعة من الأراضي خصصت منها163 فدانا لاقامة مجزر ضخم في وادي النطرون لم تقدم حتي الآن من انتاج مجزرها شيئا بينما أكد مدير الشركة ان المجزر الذي كان متوقعا له نحو500 ألف دجاجة يوميا بحلول عام2011 مازال يعاني بعض العراقيل ولذلك لم ينزل الانتاج للسوق حتي الآن, الشركة التي يملكها احد رجال الأعمال السعوديين وحسب مديرها دكتور محمود فإن الانتاج بدأ تجريبيا ولكنه لم ينزل للأسواق ويتوقع أن يتوافر للجمهور خلال شهر يوليو الحالي!!
في سبتمبر عام2009 عندما صدر القرار1002 الخاص بعدم تجديد تراخيص المزارع الموجودة حاليا والتي لا تبعد عن الكتلة السكنية بمسافة1000 متر اعلنت وزارة الزراعة وقتها عن تحديد18 موقعا جديدا خارج كردون المدن لانشاء مزارع بديلة للتي سيتم إغلاقها وهي الأماكن التي لم يسمع أحد عنها شيئا حتي الآن, ولا حتي عن صندوق التعويضات الذي كان يجب ان يتعامل بالدعم والتعويض مع من اضيرت مزارعهم من ازمة انفلونزا الطيور, وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون الصناعة وقعت بالفعل بين شقي رحي الاحتكار والاستيراد.
الاستيراد ليس حلا
نادر سويلم أحد كبار المستوردين يؤكد أن الاستيراد يغطي ما يقرب من60% من احتياجات السوق المحلية بعد أن أصبح الانتاج المصري لا يغطي أكثر من40% من احتياجاتنا علي حد قوله. ويضيف: لابد أن نعترف بأننا أصبحنا دولة مستوردة للدواجن ولسنا من كبار المنتجين كما كنا بل أيضا نقوم بالتصدير للخارج ولكن أزمة انفلونزا الخنازير التي فشلنا للأسف في إدارتها قضت علي ثلثي الصناعة ونحن كمستوردين لم نبدأ نشاطنا الحقيقي سوي بعد الأزمة, والدولة هي التي لجأت لنا ولكن حجم ما يتم استيراده يحدده كل مستورد حسب حساباته الشخصية ولا يوجد أي تنظيم حقيقي لعملنا, وأعترف بهذا وإلا فبماذا نفسر أن تتدخل الدولة ممثلة في الشركة القابضة للتعاقد مع مستوردين كبار؟!
تساؤل سويلم لا ينتظر إجابة معروفة مسبقا لكنه يشير لنقطة أخري مهمة وهي مصادر الاستيراد المصري المحدودة للدجاج فيقول: نحن لدينا ثلاثة مصادر لا غير: البرازيل أو فرنسا وأخيرا دول الخليج وعلي رأسها السعودية والإمارات وعمان, والدولة لجأت لمصدر واحد وهو البرازيل وهي لن تعطي كميات كبيرة فحتي هؤلاء يلعبون معنا لعبة تعطيش السوق وبدأوا يستغلون حالة الاحتياج المتزايدة ولديهم حصص محددة لنا ولن يغيروها ومنذ أزمة انفلونزا الطيور ونحن نستورد في حدود40% من احتياجاتنا أي أن السوق لا يتم تغطية سوي80% من احتياجاتها ولكن الأمور كانت تسير, ولكن الآن أعرف أن حجم الانتاج المحلي قل ولكننا كمستوردين لن نقدم بسهولة علي زيادة الاستيراد خوفا من تقلبات السوق, وستحدث أزمة في رمضان بالتأكيد ستنعكس علي أسعار الدواجن فلا أعتقد أنه حتي لو حاولت الدولة عقد مزيد من الاتفاقيات ستكون سهلة فالمستوردون يخشون من التعامل مع الحكومة ماليا كما أننا ندفع نحو30% جمارك وضرائب فكيف يمكن أن نبيع دجاجة بـ15 أو16 جنيها بعد ذلك؟ هذه خسارة لنا والكمية التي تعاقدت الشركة القابضة عليها لا تساوي شيئا بالمقارنة بالاستهلاك لأنها تساوي استهلاك يوم واحد فقط وثلثي يوم من أيام شهر رمضان