السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتور محمد إن كان السائل قال لك : [[هل كان النبي صلي الله عليه وسلم حقا أمي؟]] بنص العبارة فقل له لم يكن صلى الله عليه وسلم أمك ولا أباك ....صح ؟؟؟
أما إذا كان قد قال لك : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم حقا أميا فهنا أضطر إلى توضيح الأمر .
وحتى يفي الكاتب بالمطلوب فيجب عليه تحديد عناصر السؤال ؛ لأن السؤال عبارة عن تقرير أمر , وهذا التقرير يقوم على حجج تبدو من صيغة السؤال ؟ فما الأمر المقرر وماحججه كما وردت في السؤال ؟
الأمر المقرر عند السائل : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أميا
والحجة الأولى : أنه صلى الله عليه وسلم معلم البشرية فكيف يكون أميا؟
والحجة الثانية: أنه لو كان أميا لما استطاع مراقبة كتبة الوحي وعليه يمكن أن يتسرب التحريف إلى القرآن .
أولا : مناقشة الحجة الأولى وهي أنه صلى الله عليه وسلم معلم البشرية فكيف يكون أميا؟
الذي ينظر في السؤال يجد أنه يحتوي على مغالطة هي الغموض في لفظتي ((معلم البشرية )) ماذا تعني بالتحديد ؟ هل تعني معلم البشرية القراءة والكتابة ؟
لو كانت تعني ذلك لكان للسائل حق في اعتراضه ؛ إذ كيف يكون من يعلم الناس القراءة والكتابة لا يستطيع القراءة والكتابة ؟.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرسل ليعلم الناس القراء والكتابة - وإن كان قد أمر بإتقانهما بل وإتقان اللغات الأجنبية ؛ فقد أمر سيدنا زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود لأنه لا يأمنهم على كتابه .
ولم يؤثر أنه صلى الله عليه وسلم تعلمهما من أحد في صباه ولا في شبابه ولا شيخوخته أصلا ومثل هذا إذا حدث لما خفي أبدا , ولقد اهتم المؤرخون المسلمون بكل دقيق وجليل في حياته صلى الله عليه وسلم حتى وصفوا شسع نعله وسيور حذائه الشريف فهل كانوا يغفلون عن هذا الحدث الهام في حياته صلى الله عليه وسلم لو كان له وجود ؟
هل كانوا يسكتون عن ذكر معلميه لو كان لهم وجود ؟
لقد ذكروا اسم القابلة التي استقبلته من بطن أمه واسم من كفله بعد أبيه وأمه ,... ولكن كتب السير قد خلت تماما من ذكر معلميه فما معنى ذلك ؟؟؟
هل علموا أن السائل سيسأل الدكتور محمد على سنة 1431-2010فتعمدوا إخفاء هذه الأسماء ؟؟ !!!!
وإذا علمت طبيعة المعجزة التي أيده الله تعالى بها لتبين لك أن الأمية في حقه صلى الله عليه وسلك كانت ضرورة تبرهن على صدقه .
فكل نبي من الأنبياء المؤيدين بالمعجزات كانت معجزته غير رسالته , فمثلا كان كتاب سيدنا موسى عليه السلام التوراة أما معجزته فهي العصا واليد , وكتاب سيدنا عيسى عليه السلام كان الإنجيل ومعجزته شفاء المرضى وإحياء الموتى بإذن الله فالمعجزة هنا شيء والكتاب شيء آخر ولن يؤثر كون هذين النبين الكريمين قارئين كاتبين شيئا على معجزاتهما أما الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم فكانت معجزته هي كتابه الذي أعجز به العرب وتحداهم به فعجزوا مع أن صناعة الكلام هي شغلهم وفنهم الأوحد ولا يحسنون غيره , فإذا كان الرسول يقرأ ويكتب كما يزعم الزاعمون فما المانع أن يكون قارئا نهما ومثقفا موسوعيا ومفكرا عميقا ألم بأساليب الأولين والآخرين ثم أبدع هذا الكتاب ؟!!
إن أستاذ الجامعة إذا ألف في مجال تخصصه كتابا فاق به السابقين والمعاصرين لما كانت له في ذلك معجزة لأن هذا شيء متوقع منه بناء على إمكاناته لكن لو نسب رجل أمي هذا الكتاب إلى نفسه وادعي العلم بكل ما فيه وامتحن في ذلك ونجح بتفوق ولم يستطع أحد مضاهاته لكانت معجزة .
إذن فقد شاءت إرادة الله تعالى أن يكون الرسول أميا لأن معجزته التي تحدى بها ويتحدى بها الآن وسيتحدى بها إلى آخر الزمان تتطلب ذلك وتقتضيه ؛ فالأمية شرف في حق معلم البشرية صلى الله عليه وسلم دينهم , وليست عيبا يقدح في مقامه المنيف حتى يتعجب سائلنا قائلا كيف يكون معلم البشرية أميا ؟
والصيغة الصحيحة للسؤال : لماذا كان الرسول الذي نزل عليه هذا المصحف المعجز أميا ؟ والإجابة مذكورة أعلاه .
وثمة أمر آخر , هو أنه صلى الله عليه وسلم لو كان قارئا كاتبا لأعطى ذلك احتمالا أن يكون قد اطلع على الثقافات الدينية المتوافرة في زمنه وكون منها دعوته الجديدة , ولو كان الأمر كذلك لما سكت أعداؤه عن الطعن في نبوته , ولكنك إذا نظرت في مجمل هذه الاتهامات وتفصيلاتها لما وجدت من بينها أنه قرأ كتب السابقين عليه وأخذ منها , لقد اتهموه بالسحر والكهانة والجنون وأنه يتلقى القرآن من عبد رومي لا يحسن الحديث بالعربية أصلا !!! ورد الله تعالى عليهم في ذلك كله , والشاهد أنه ليس من بين هذه الاتهامات أنه قرأ كتبا وأخذ عنها أو تأثر بها , أترى لو كانت هناك أدنى شبهة في ذلك أكانت ألسنة المشركين تسكت عنها ناهيك عن ألسنة يهود في المدينة والذين لم يتركوا طريقة إعلامية أو حربية في مناهضة الإسلام إلا وقاموا بها ؟.
أليس هذا مصداقا لقوله تعالى ((َوأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً))(النساء: من الآية113) مما يعني أم معلمه الأوحد هو الله جل جلاله
والحجة الثانية أنه لو كان أميا لما استطاع مراقبة كتبة الوحي وعليه يمكن أن يتسرب التحريف إلى القرآن .
وهذا الافتراض يلقي بظلال من المعاني الباهتة منها :
أن الله تعالى قد أوكل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن ومراجعته ولم يتكفل هو تعالى بحفظه لأنه معجزة الرسالة الخاتمة ولذا يجب أن يظل إعجازها حيا إلى قيام الساعة !! ألم يقل ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر:9)
ألم يقل الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ((لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ به إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة ,16, 17) وكون الله تعالى تكفل بحفظه لا يستلزم أن يجعل من النبي صلى الله عليه قارئا كاتبا ليشرف على كتبة الوحي ولو كان السائل ذكيا لقال ليكتب الوحي بنفسه ولا يتركه للكتبة فذلك أدعى في التوثيق , ولكن الله تعالى قسم للسائل هذا القدر من العقل ليحكم على نفسه بنفسه فكون هذا السائل قد اعترف بأن كتابة الوحي كانت عن طريق كتبة مخصوصين ولم يشترك النبي الذي يدعي السائل له القراءة والكتابة في كتابته كونه معترفا بذلك كان من سوء حظه وحسن حظ الكاتب وأسأله لماذا لم يكتب بنفسه ما دام يمكنه ذلك في زعمك ؟ لا إجابة مقنعة إلا أنه لم يكن يستطيع ذلك .
ومن الظلال الباهتة لهذا السؤال أنه يشكك في الصحابة وكتبة الوحي من طرف خفي أليس معنى سؤاله أن هؤلاء الكتبة لم يكونوا مأمونين ويحتاجون إلى نبي قاريء ليكشف تزويرهم أوأخطاءهم ؟
ومن سوء حظ السائل أن الكتابة لم تكن الطريق الوحيد لحفظ القرآن مثل التوراة والإنجيل , ولكن القرآن حفظ إلى جانب الكتابة بتيسير الله تعالى حفظه للمسلمين فهو محفوظ في الصدور قبل السطور والرسول صلى الله عليه علمهم إياه آية آية فحفظه عدد كبير منهم ويتعبدون به في صلواتهم وقراءاتهم في الليل وهذا يعتبر حارسا ثانيا للقرآن فلو ظهر خطأ في الكتابة لوجد من الحفظة ألف راد ومصحح ولكنه لم يحدث .
إذن فعملية حفظ القرآن لم تتطلب كون الرسول صلى الله قارئا كاتبا , لأن الله تعالى تكفل بحفظه أولا ولأنه تعالى يسره للذكر فجعله محفوظا في الصدور ثانيا ولأنه تعالى حفظه في السطور ثالثا .
وبعد فلا أريد الاستطراد راجيا أن يكون في هذا كفاية وألتمس من إخواني الكرام ألا يثيروا كثيرا من هذه الأسئلة لأن الاتجاه الدفاعي في الكتابة يجبرني على الكتابة في موضوع محدد مفروض على وذلك يضيع الوقت ويستهلك جهدا كان من الممكن أن يوجه إلى موضوعات أكثر نفعا وهذا أفضل من الدفاع عن شبهات نعلم بطلانها سلفا .