الإعجاز العلمي في حديث الثلث
--------------------------------------------------------------------------------
الإعجاز العلمي في حديث الثلث
روى الترمذي في صحيحه(1) عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * كما رواه ابن ماجه في سننه(2) عن نفس الصحابي: الْمِقْدَامَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ * ورواه الإمام أحمد في مسنده عن نفس الصحابي أيضًا(3).
أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث إلى عدة حقائق، فقد شبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعدة (المشار إليها في الحديث بالبطن) بالوعاء. وأخبر النبي أن ملء هذا الوعاء بكثرة الأكل شر على الإنسان. ونصح بالاكتفاء من الطعام على قدر الاحتياج، وقسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام وأخبر أن أكبر كمية من الطعام والشراب يمكن أن يتناولها المرء عند الحاجة الملحّة هو مقدار ما يملأ ثلثي حجم المعدة. وأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ترك ثلث حجم المعدة خاليًا من الطعام والشراب ضروري لنَفَس الإنسان. وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقائق وأيدها، وتقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أثلاث: ثُلُثين للطعام والشراب، وثُلُثٌ للنَّفَس، لم يُذكر سُدًى في هذا الحديث بل لحكمة بالغة تجلت ووضحت في هذا الزمان، فإذا سأل سائل لماذا هذا التقسيم وتحديده بالثُّلُث؟ ثم كم مقدار هذا الثُّلُث؟ وما الذي يحدث إذا تجاوز المرء ولم يلتزم بهذا التوجيه النبوي؟ ـ أمكن إجابته على ضوء المعارف الطبية الحديثة، وفي هذا المقال سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة وفق ما استقر من حقائق اكتشفت حديثًا في مجال علم التشريح ووظائف الأعضاء معتمدًا على الركائز التالية:
1 ـ شرح بعض علماء المسلمين للحديث.
2 ـ إيراد أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بموضوعه.
3 ـ إبراز وجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث العظيم.
أولاً: أقوال شُرّاح الحديث
1 ـ أضرار امتلاء المعدة:
لقد تعددت مظاهر استنباط العلماء للحِكَمِ الصحية في هذا الحديث، فقد أفرد ابن القيم في الطب النبوي فصلاً حول هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الاحتماء من التخم والزيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب فقال(4): (والأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة: أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية. وسببها: إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم؛ والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة. فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتاد ذلك ـ أورثته أمراضًا متنوعة، منها بطيء الزوال أو سريعه. فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن. هذا إذا كان دائمًا أو أكثريٌّا وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به؛ فقد شرب أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ بحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اللبن، حتى قال: (و الذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا)؛ وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شبعوا. والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه. وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته).
وقال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي(5): (روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أصل كل داء البردة)، وروي أيضًا عن ابن مسعود. والبردة: التخمة، لأنها تبرد حرارة الشهوة، فينبغي الاقتصار على الموافق الشهي بلا إكثار منه. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرٌّا من بطن، بحسب ابن آدم أُكُلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه). وأُكُلات جمع أُكُلة، وهي اللقمة، وهذا باب من أبواب حفظ الصحة.
وقال عمر ـ رضي الله عنه: (إياكم والبطنة، فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم والقصد فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين) رواه أبو نعيم. واعلم أن الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء) (متفق عليه)، ولا تدخل الحكمة معدة ملئت طعامًا، فمن قل طعامه قل شربه، ومن قل شربه خف منامه، ومن خف منامه ظهرت بركة عمره، ومن امتلأ بطنه كثر شربه، ومن كثر شربه ثقل نومه، ومن ثقل نومه محقت بركة عمره، فإذا اكتفى بدون الشبع حَسُنَ- اغتذاء بدنه، وصلح حال نفسه وقلبه.
ومن تملى من الطعام ساء غذاء بدنه، وَأَشِرَت نَفْسُه وقسا قلبه، فإياكم وفضول المطعم فإنه يَسِمُ القلب بالقسوة، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويصم الأذن عن سماع الموعظة).
والحمد لله رب العالمين
منقول