شبهة إرضاع الكبير ليكون ابنا من الرضاع ويحل له الخلوة بمن أرضعته من الشبهات التي يتعلق بأهدابها نفر من أتباع الأديان الأخرى , ويتخذون من دعواهم ذريعة للطعن في الإسلام واتهامه بأنه دين الجنس والدعارة وهذا الاتهام يثار من غير المسلمين وهو منتشر بكثرة مرضية على الإنترنت وهي كثرة تنم على حقد دفين .
ومحل الشبهة عندهم في كيفية الرضاع وليس في مسألة الأمومة أو البنوة أو الأحكام المترتبة على الرضاع الذي يحرم منه ما يحرم من النسب , فهذا آخر ما يهم هؤلاءبل لايعنيهم أصلا , والدليل على أن هذا هو محل الشبهة عندهم أن ألسنتهم تنطلق انطلاق السهم باتهام الإسلام بأنه دين الشهوات الجنسية والدعارة , و....
ويتخيل هؤلاء أن رضاعة الكبير تعني أن يأتي هذا ( الكبير ) إلى المرأة فتخرج ثديها لها كاشفة عورتها ثم يقبل عليه يمصه ليصير ابنهما من الرضاعة وتصير أمه .
بهذا التصور الساذج يثيرون هذه الشبهة , والذي يحكم بيننا بينهم هو المنهج العلمي دون غيره ومن معالم هذا المنهج أنه :
-لا يضع هدفا مسبقا ثم يحاول أن يتلمس له الأدلة بأية طريقة .
-ولا يقرر شيئا دون دليل صحيح .
-ويطالب الناقل بصحة النقل والمدعي بالدليل .
- يتجرد عن الهوى والغرض والتعصب .
- يعتمد على النظر الموضوعي الكلي للقضايا ولا يجتزيء بعضها فقط
وبناء على ذلك نبحث أولا عن الدليل الذي أخذوا منه هذا التصور المشين ثم نسبوه إلى الإسلام , ونبحث هل يتضمن هذا الدليل هذا التصور
ثم نبحث عن منهجهم في التعامل مع الإسلام في هذا الجانب , وهل هو منهج موضوعي أي يبحث الأمر من كافة جوانبه أم ينتقي ويجتزيء ما يريد فقط على طريقة ولا تقربوا الصلاة وويل للمصلين ؟
أولا حديث رضاع الكبير في السنة وهل يدل على إباحة الرضاع المباشر للكبير من المرضعة ؟
جاء في معرفة السنن والآثار ج6 ص 91
باب رضاع الكبير
4730 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سُئل عن رضاعة الكبير فقال أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان شهد بدراً وكان قد تبنى سالماً الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأنكح أبو حذيفة سالماً وهو يرى أنه ابنه فأنكحه بنت أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش فلما أنزل الله في زيد بن حارثة ما أنزل فقال ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين , رد كل واحد من أولئك من تبنى إلى أبيه فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي فجاءت سهيلة بنت سهيل وهي إمرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالماً ولداً وكان يدخل عليّ وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ففعلت وكانت تراه ابناً من الرضاعة . .
خلاصة هذا الأثر :
أولا : أن أبا حذيفة بن عتبة رضي الله عنه زوج سهلة بنت سهيل تبنى سالما مولاه وزوجه ابنة أخته , فكان يدخل عند سهلة كأنه ابنها
ثانيا : أن الله حرم التبني فلم يعد سالم ابنا بالتبني لأبي حذيفة ولا لزوجه وبناء عليه لا يجوز له الدخول عليها كأنه ابنها .
ثالثا : أن هذا التحريم شق على سهلة رضي الله عنها لأن سالما يسكن هو وزوجه ابنة أخت أبي حذيفة معهم في البيت نفسه .
رابعا : أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن ترضعه خمس رضعات ليصير ابنها من الرضاع .
ملاحظات :
الملاحظة الأولى :مما يلاحظ في هذا الأثر أنه لم يبين كيفية الرضاع ومن المحال أن يكون رضاعا مباشرا لما فيه من كشف للعورة أولا ومن حرمة النظر إليها ثانيا , ومن حرمة مسها ثالثا وهذه كلها أمور محرمة بالأدلة القطعية من القرآن الكريم والسنة النبوية , إذن فلا بد أن هناك حلقة غائبة تفسر الأمر ويتعمد المضلون أن يغيبوها . هذه الحلقة الغائبة تعني أن الرضاع لم يكن مباشرا وأنه كان عن طريق الحلب والشرب من الإناء دون نظر ولا مس ولا لمس .
فقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال : كانت سهلة تحلب في إناء قدر رضعته ، فيشربه سالم في كل يوم ، حتى مضت خمسة أيام ، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسرة [كاشفة رأسها]، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة .ا.هـ.
فلماذا يتم تجاهل مثل هذه الرواية التي تكشف الغموض وتتسق مع الآداب العامة للإسلام تجاه الجنس الآخر ؟
قد يقولون إن الرواية ضعيفة لأن الواقدي ضعيف الرواية فيما يتعلق بالحلال والحرام بخلاف روايته في السير والمغازي , ومعنى هذا أنهم يعترفون بمنهج قبول الروايات وردها عند علماء الحديث فإذا كانوا كذلك فعلا فعليهم أـن يقبلوا منهج المحدثين في نقد السند والمتن معا فهذه الرواية وإن كان فيها ضعف في السند إلا أن متنها معضد بشواهد قوية من القرآن الكريم والسنة النبوية .
فهذه الرواية التي رواها ابن سعد في كيفية الرضاع في هذه القصة تعني أن سالما لم ير عورة سهلة ولم يمسها وتعني أن القوم حافظوا على أدب الإسلام فيما يخص العلاقة بين الجنسين وذلك ما جاء به القرآن الكريم من حرمة النظر بشهوة قال تعالى((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ))) (النور:30) وقال تعالى : ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) . (النور:31) . وروى الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار أن النبي صلى الل9عليه وسلم قال(( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )) .
فهذه الآية الكريمة وهذا الأثر النبوي الكريم وإجماع المسلمين كل هذا يعضد مدلول روية ابن سعد المذكورة أعلاه ويجعلها مقبولة متنا وإن كانت ضعيفة سندا , وهذا ما يقتضيه علم مصطلح الحديث إن كان هؤلاء المشككون يعتمدون عليه في نقد الروايات وهو ما لايجدونه في دينهم وأصول كتبهم المقدسة عندهم أصلا !!!!ألا يستحيون ؟
والسؤال هنا ما الذي يجعلهم يأخذون بالفهم الخاطيء لرواية حديث سالم رضي الله عنه ويصرفون وجوههم عن رواية ابن سعد التي تفصل معنى حديث واقعة سالم ؟؟
هذا يظهر أنهم مغرضون متعصبون هدفهم المسبق هو التشكيك والتشويه المتعمد للإسلام والحقد والحسد الذي تغلي به صدورهم تجاهه.
الملاحظة الثانية : هي الدلالة اللغوية للفعل ( أرضعيه ) الوارد في الحديث وهل تلزم هذه الدلالة بأن يكون الرضاع عن طريق المباشرة من الصدر ؟
إن من يرى أن هذا التفسير هو التفسير الوحيد ضيق النظر لأن الفعل قد يطلق ولا يراد القيام المباشر به بل يمكن أن يراد القيام به من طريق غير مباشر فمثلا قوله تعالى ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)) (الانسان:8) هل تعني هذه الآية أن البار الذي يتصدق بطعامه يضعه بيده في فم المسكين واليتيم وذي الشوارب الأسير ؟ هل يطعمهم قطيعة قطيعة بيده كما يطعم الطفل الفطيم ؟ بالطبع لا . ومع ذلك يقال إنه يطعمهم . وبالمثل إذا بعثت امرأة بلبنها في ( ببرونة ) أو (بزازة ) لابن جارتها أو ابن أختها فشربه مرارا ألا تكون هي من أرضعته ويسري عليه حكم الرضاع ؟
وكذلك قوله تعالى :(( وسقاهم ربهم شرابا طهورا )) هل تعني أنه سبحانه سقاهم بيده - وليس كمثله شيء- واحدا واحدا ؟ أم تعني أنه أمر بذلك ومع هذا يعبر بقوله سقاهم ؟.
فإذا مانت دلالة اللغة تعطي هذا المعنى فلماذا لا يرضى هؤلاء إلا بالفهم القاصر والظن الآثم الذي لا دليل له من نقل أو عقل ؟
الملاحظة الثالثة : أن هذه المسألة كانت خاصة بسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما وهذا ما ذهبت إليه أمهات المؤمنين جميعا سوى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , ومع هذا فإن الأمر قد نسخ بحديث لا رضاع إلا ما كان في الحولين , وهو الرضاع الذي ينشز اللحم وينبت العظم فعن مَسْرُوقٍ عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل عليها وَعِنْدَهَا رَجُلٌ قال حَفْصٌ فَشَقَّ ذلك عليه وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ اتَّفَقَا قالت يا رَسُولَ اللَّهِ إنه أَخِي من الرَّضَاعَةِ فقال انْظُرْنَ من إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ من الْمَجَاعَةِ 2058
2059 حدثنا عبد السَّلَامِ بن مُطَهَّرٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بن الْمُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ عن أبي مُوسَى عن أبيه عن بن لِعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ عن بن مَسْعُودٍ قال لَا رِضَاعَ إلا ما شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ فقال أبو مُوسَى لَا تَسْأَلُونَا وَهَذَا الخبر فِيكُمْ
سنن أبي داود ج2/ص222
والدليل على أن حديث سالم منسوخ أن الصحابة عملوا بالحديثين المذكورين بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام الشافعي :
أخبرنا مَالِكٌ عن أَنَسٍ عن عبد اللَّهِ بن دِينَارٍ قال جاء رَجُلٌ إلَى بن عُمَرَ وأنا معه عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عن رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فقال بن عُمَرَ جاء رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ فقال كانت لي وَلِيدَةٌ فَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عليها فقالت دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فقال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ الأم ج5/ص29 .
الملاحظة الرابعة : وهي وإن لم تكن ذات صلة بالموضوع إلا أن ذكرها هنا مشروع لأن مثيري هذه الشبهة من أهل الأديان الأخرى تضمن كتابهم المقدس من المخازي والفضائح ما أستحيي من ذكره يكفي أنهم اتهموا نبي الله لوطا عليه السلام بالسكر والزنا بابنتيه !!!!واتهام نبي الله داود عليه السلام بمخادعة قائد جيشة ودفعه إلى الهلاك ليفوز بامرأته , وعندهم سفر نشيد الأنشاد في كتاب يقولون إن الله أنزله تضمن غزلا دعاريا فاجرا في جسم امرأة ومع هذا يؤلونه بأنه رموز روحية لمعان أخرى !! هذا يؤول كذبا أما حديث سالم مولى أبي حذيفة فلا يجوز عندهم أن يفهم فهما صحيحا !!! ولولا الحياء والخوف أن أفتن القاريء أو استثير فيه غريزة البحث فيطلب قراءة هذهالمخازي المنسوبة لله كذبا وزورا لذكرتها .
خلاصة القضية : أن رضاعة سالم كانت عن طريق وضع لبن سهلة رضي الله عنها في إناء ثم يشربه , وهذا ما جاءت به رواية ابن سعد ولا يجوز تجاهلها لقوة شواهده من القرآن والسنة وإجماع الأمة , وحديث رضاع الكبير منسوخ بحديث لا رضاع إلا ما كان في الحولين , وبه عمل الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم . إن هذه الشبهة فضيحة لمن يثيرها ووصمة عار فكرية تشوه جبينه حتى يغسلها .
وأوصيك أخي الفاضل ألا تدخل هذه الغرف فآثارها ضارة على القلب النقي حتى لو تيقنت من تهافتهم وبطلانهم فالقلب كالإسفنجة يدخلها الماء ويخرج منها ولكن لا بد أن يترك أثرا.والله الموفق رب اغفرلي