بسم الله الرحمن الرحيم
أولا :ملخص الهجرة
أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ليخرجهم من ظلام الشرك إلى نور الإسلام وقد أمره أن ينذر عشيرته الأقربين أولا ثم قريشا ثم العرب كلها ثم العالم أجمع , ولما بدأ صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة لقي أشد المعارضة من أهلها -باستثناء قلة مؤمنة من مختلف طبقات المجتمع المكي سادة وعبيدا وأغنياء وفقراء – تمثلت هذه المعارضة في التعذيب الجسدي للمستضعفين من الصحابة رضي الله عنهم , وفي الحصار الاقتصادي والعزلة الاجتماعية للمسلمين وفي الهجوم الإعلامي لتشويه صورة الإسلام عند العرب لكيلا يدخلوا فيه .
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم ييأس ووجه بعضا من أصحابه إلى الهجرة بدينهم إلى الحبشة عند الملك العادل النجاشي الذي أسلم وآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وظل النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد أهل مكة بالصبر والتحمل في سبيل الله ولما تجد دعوته سميعا فهاجر إلى الطائف ولكنهم كانوا أشد كفرا من أهل مكة وفي طريق عودته آمن به عداس النصراني غلام شيبة بن ربيعة صاحب بستان العنب الذي أكل منه النبي صلى الله عليه وسلم مما قدمه له عداس فلاح هذا البستان .
وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم يستأنف جهاد الدعوة في مكة ومات عمه أبو طالب وكان خير ظهير ومعين له وماتت زوجه خديجة رفيقة الصبر والكفاح ماتا في عام واحد فاشتد حزنه عليهما وشمت به المشركون فروَّح الله تعالى عنه برحلتي الإسراء والمعراج فعاد أشد قوة وصبرا مما كان واستأنف الجهاد وازداد الاضطهاد فلم يزدد إلا صبرا وجلدا هو وأصحابه ومر على هذه الحال ثلاث عشرة سنة .
وذهب صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على العرب في مواسم تجمعهم وأسواقهم حتى هدى الله تعالى له نفرا من الأوس والخزرج من أهل يثرب فآمنوا به وبايعوه - أي أعطوه العهد على السمع والطاعة وبلاغ قومهم بذلك - وفي العام التالي عادوا وعددهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوه على السمع والطاعة فأرسل معهم من يعلمهم القرآن في المدينة ويدعوهم إلى الإسلام وكان المبعوث سيدنا مصعب بن عمير أول سفراء الإسلام واجتهد مصعب في دعوته حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا دخلها الإسلام قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم أذن الله له بالهجرة فاتخذ كافة الوسائل اللازمة لنجاح هجرته وضرب مثلا في التخطيط والتدبير والأخذ بالأسباب وصحب سيدنا أبابكر رضي الله عنه ثم هاجر متوكلا على ربه ولما قدم المدينة أضاء منها كل شيء وكأنما أشرقت شمس فوق الشمس وعم النور البلاد وغمر العباد وفي المدينة بنى المسجد وأسس الدولة الوليدة الجديد ثم جاهد المشركين أعواما عشرة حتى فتح مكة في العام الثامن بعد الهجرة وأتته وفود العرب تعلن إسلامها لحق بعدها بالرفيق الأعلى وواصل أصحابه الجهاد ولم تمض سبع عشرة سنة على هجرته حتى فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه بلدنا الحبيب مصر وخلص أقباطها من الاحتلال الروماني الوثني الذميم وساعده المصريون في حربه ضد الغزاة المحتلين ثم دخلوا في دين الله أفواجا ثم توالت القرون ومرت السنون وإذا بك أيها القاريء وإذا بمن يكتب هذا الكلام من المسلمين بفضل الله تعالى وبفضل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإسلامنا حسنة من حسنات الهجرة وديننا الحنيف أثر من آثارها فصل معي على صاحبها وآله وصحبه .
ثانيا : دروس وعبر
1- الأمل والثقة
ألم تر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال في مكة في بداية عهد الدعوة يعاني مع أصحابه الكرام ممن صنوف الأذى ما لا يقدره إلا من عانى منه ورغم هذا -أو ومع هذا لأن رغم في اللغة معناها من الرغام وهو التراب ولا تستعمل إلا في صيغها السماعية مثل رغم أنفه – المهم أنه وهو في هذه المرحلة الصعبة التي لا يبدو في ظلامها بصيص من نور كان واثقا من نصر الله ممتلئا أملا في النصر أتاه سيدنا خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه وقد قاسى من شدة عذاب الكفار ولندع سيدنا خباب يحدثنا قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدَةٍ لَهُ، وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا أَلَا تَسْتَنْصِرُ اللهَ لَنَا ؟ قَالَ: فَجَلَسَ مُحْمَارًّا وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: " وَاللهِ، إِنْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَتُحْفَرُ لَهُ الْحُفْرَةُ فَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ باثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ عَصَبِهِ وَلَحْمِهِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ
فانظر أيها القاريء الكريم إلى ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بنصر الله مع الظروف القاسية التي يظن ضعاف الإيمان أنه لن تقوم معها للإسلام قائمة انظر وتأكد أن نصر الله للمسلمين أمر محتوم بشرط أن يأخذوا بالأسباب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يلتزموا بأحكام شرعهم وأن تؤدي أنت الواجب عليك تجاه دينك فاعمل وثق من نصر الله تعالى .
2- العزم التصميم .
كثير من الناس يريد أن يحقق هدفا معينا ثم لا يستطيع لظروف ما فيسيطر عليه اليأس ويقعد به إلى الاستسلام التام وليس ذلك من شيم أهل الإسلام ؛ ألم تر النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ دعوته فيرفضه أهله الأقربون فلا ييأس فيدعو قريشا كلها فيرفضون فلا ييأس ثم يدعو العرب كلهم في مواسمهم وأماكن تجمعهم فيرفضون فلا ييأس ويهاجر إلى الطائف فيرفضونه فلا ييأس ويشتد التكذيب والمقاطعة من جانب قريش فلا ييأس حتى كانت الهجرة بابا مر منه الإسلام إلى العالم كله , فالمسلم يحاول مرات ومرات عازما مصمما على النجاح واثقا من توفيق الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا .
وهناك الكثير من العبر والدروس في الهجرة لا أستأثر بذكرها كلها وأترك للقراء الكرام مساحة ليفيدوني ويفيدوا إخوانهم بإضافات جديدة وما أحسن الحديث وأحلاه في رحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فلتتكرم أيها العضو الكريم ولتتفضل بذكر ما يفتح الله لك به من العبر والدروس في هذا الحدث العظيم .