السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقا إن العقيدة في الإسلام - كما قال علماؤنا الكرام الذين نقلت عنهم - هي العقيدة الوحيدة التي صالحت بين العقل الإنساني والتنزيل الإلهي ؛ ذلك أن خالق العقل وواهبه قدرته على التفكير هو سبحانه وتعالى منزل الوحي العليم الخبير , ومن ثَمَّ كان التوافق والانسجام بين نصوص القرآن الكريم وحكم العقل الإنساني المتجرد من العصبية والهوى , وما استطاع أحد أن يثبت تصادما بين آية قرآنية وحكم عقلي سليم .
وكيف يستطيع أحد أن يثبت ذلك مع كتاب يدعو في نصوصه إلى التفكر والتعقل ويدعو إلى التأمل والتدبر ويطالب في كل قضية بالدليل والبرهان ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) ويجعل البحث والتحري مصدرا للعلم اليقيني (( فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير )) ويدعو إلى تجريد التفكير من أية مؤثرات تشوش مدى رؤيته وتؤثر على وضوحها (( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا )) وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي أسست ملامح المنهج العلمي القويم .
لهذا يستطيع الإسلام أن يعيش في كل الأرض وأن يشع نوره في كل البيئات الإنسانية وأن ينسرب إلى ظلمات النفوس ليحيل ظلامها نورا , وأن يندفق إلى الأرواح العطشى ليروي صداها ويسمو بها إلى غاية مُنَاها .
يفسر هذا سبب تمسك المسلمين بدينهم في المجتمعات الغربية التي تصدهم عن سبيل الله وتمارس كل فنون التمييز والاضطهاد ضدهم , كما يفسر لنا أيضا سبب زيادة أعداد الداخلين في الإسلام كل ساعة وكل يوم . إنها بساطة العقيدة ووضوح الإيمان واستقرار النفس واطمئنان الروح ولو قرأنا مدى المعاناة النفسية والقلق الروحي الذي كان يعاينه إخواننا الذين كانوا قبل إسلامهم على أديان أخرى من جراء غموض عقيدتهم التي كانوا عليها وتعاركها الدائم مع العقل ومناطحتها للفطرة الإنسانية لو قرأنا ذلك مثلا في كتاب رجال ونساء أسلموا د عرفات العشي - لعلمنا قيمة عقيدتنا وازددنا بها يقينا .
ولكن المسلم المعاصر الآن يعاني من مشكلة أخرى هي سوء الفهم لعقيدته فهو في الغالب لا يستطيع أن يدرك أن الإيمان قول وعمل , وأن أثر العقيدة لا بد أن يظهر على سلوكه ومعاملاته أيا كان موقعه , وهذا هو سبب أكثر المشاكل التي يعانيها الأفراد والمجتمعات في البلاد الإسلامية , لذا نحتاج إلى إحياء التوجه الذي نادى به كثير من علمائنا المعاصرين في الدعوة إلى إعادة طرح الإيمان الإسلامي على العقل المسلم بأسلوب يلازم بين الإيمان والعمل , والمعتقد والسلوك , وألا ننكفئ فقط على العقيدة ومباحثها , وخلافات السلف والخلف في بعض مسائلها , وما استتبعه ذلك من تقسيم المسلمين إلى فرق وأحزاب وكل حزب بما لديهم فرحون ولغيرهم يفسقون ويبدعون ....ما الذي جناه المسلمون من هذا التراث ؟
اللهم أصلح أحوالنا وأعنا على ما يرضيك عنا .
جزاك الله خيرا وجعله الله في ميزان حسناتك