فؤاد عزام فضيلة الدكتور
المشاركات : 379 التقييم : 10 النشاط : 591 سجل فى : 15/12/2009
أوسمة العضو :
| موضوع: حديث بين صامتين !! الإثنين يناير 10, 2011 8:38 pm | |
| احمرَّت عيناه وانتفخت من أثر سهر طويل وقف به عند قرآن الفجر , وأدركه الأَيْنُ ( التعب والإعياء ) , وخطر على باله أن يذهب لأداء صلاة الفجر لكن وجد من ضميره مانعا قويا من الذهاب إلى المسجد !! وآثر أن يلقي جثته على السرير ليغوص فيه إن استطاع , واستغرق في نوم عميق . وبعد أربعة ساعات هَبَّ من نومه مسرعا وتوضَّأ وصلى كنقر الغراب عامدا وكأنه يهرب من لقاء ربه , ثم تَأَبَّطَ كشكولا وأسرع إلى محطة القطار ليسافر إلى كليته , ولم يكن الرُّكِّابُ المنتظرون كثيرين , وبدا وجه القطار من بعيد , فأخذ يتأمل فيه ويتخيل نفسه تحت قضبانه , وهو بهذا التخيل فرح سعيد وكأنما ينتقم من نفسه أبشع انتقام !! توقف القطار وجلس الركاب على كراسيهم متقابلين , فمنهم من كان يجاذب صاحبه طرف الحديث , ومنهم من يضاحك أخاه , ومنهم من انشغل بالتأمل من النافذة ...أما هو فآثر أن يبقى وحده في عزلته النفسية فظل يغزو عربات القطار باحثا عن عربة فارغة تماما حتى وجدها فتوسطها وجلس صامتا . لم تمض لحظات حتى توقف القطار في المحطة التالية , ولم يصعد هذه العربة التي انعزل فيها صاحبنا إلا رجل واحد , مَهِيبُ الطلعة , وضيئ الجبين , أبيض اللحية , معمم الرأس , بيده مِحْجَنٌ ( عصا معوجة الرأس ) يتوكأ عليه , وبالأخرى مِسْبَحَةٌ طويلة , وتوجه الرجل إلى كرسي صاحبنا وجلس أمامه بالضبط . نظر صاحبنا أمامه وخلفه فلم يجد أحدا غيرهما , وتحيَّر وتساءل في نفسه وهو ينظر إلى الشيخ : ألم يجد هذا الشيخ مكانا إلا أمامي ؟ وراعه أن وجد الشيخ يحني رأسه وكأنه يقول له نعم لم أجد إلا هذا المكان !! نظر في عين الشيخ , فوجد عين الشيخ أسبق في النظر إلى عينه هو , وكأنها عين صقر تضرب في تُخُوم الأرض , فحوَّل صاحبنا وجهه وقد انتابه شعور غريب , وظل هكذا دقائق معدودة حتى أحس بجهد في عنقه من طول ما نازعها أن تلتفت , ثم استجمع نفسه والتفت فوجد عين الشيخ على حالها تكاد تخترق عينه هو ..ولاحظ أن الشيخ يبتسم ابتسامة خفيفة , فكانت هذه الابتسامة أشد قوة وآثارا في نفسه من نظرة الشيخ !!! بدأ يشعر بضيق وحرج في صدره , وكأنه يَصَّعَّدُ في السماء , ثم عاود النظر للشيخ فوجد عينه على حالها وكأنها سهم مصوب تجاهه يوشك أن يفارق قوسه , ولكنه وجد ابتسامة الشيخ قد تحولت إلى عبوس وقطوب , وكأن بين حاجبيه جيش من جنود الغضب !!! صار لديه يقين أن الشيخ يقصده , بل ويحدثه , ويعاتبه و ويُرَغِّبُه , ويُرَهِّبُهُ , وأحس بخجل شديد تَعَّرق منه جبينه واحمرَّ وجهه وود لو ابتلعته الأرض , وفكر أن يقوم وبالفعل قام ولكن بصعوبة بالغة , أحس أن الدنيا على كتفيه وأنه ينهض بها متثاقلا وحرك رجله ليخطو , ولكن الشيخ حرك عصاه بقوة فسدَّت عليه الطريق بين الكرسيين !!! لم يستطع الكلام ولا الفعال , فقد قيده الحياء , وخنقته عبرة من بكاء , ونديت عيناه , وَتَحَدَّرَتْ على خديه دمعتان دافئتان رقيقتان , عندها ابتسم الشيخ وقام الشيخ لينصرف , ولكن صاحبنا هذه المرة منع الشيخ من الانصراف , فقد ارتمى بين ذراعيه , ملقيا رأسه على كتفه , وجسمُه يرتعد ويرتج من البكاء , والشيخ يضم جسم الفتى وكأنه يلملم جواهرا تفلتت من سلكها , وينفض بيده على ظهره وكأنما يطهر ثيابه من أَدْرَانِها , وبعد لحظات انفصل الجسمان , وتصافحت اليدان , وانصرف الشيخ وهو يصيح بين الركاب بقول الخيام : إن تُفْصَلِ القطرةُ من بحرها ففي مداه منتهى أمرها وبسرعة التقط صاحبنا قلمه ,وفتح كشكوله , ليكتب البيت قبل أن ينساه | |
|
محمد شلبي دكتور التفسير وعلوم القرآن
المشاركات : 96 التقييم : 10 النشاط : 136 سجل فى : 10/04/2010
أوسمة العضو :
| موضوع: رد: حديث بين صامتين !! الإثنين يناير 24, 2011 11:29 am | |
| الله يا أولياء الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، نسأل الله أن ينفحنا ببركات أوليائه وأن يجزل لنا على أيديهم كريم عطائه ، نِعم ما أبدعتَ فلتسلم ولتسلم يمناك يا دكتور فؤاد ، والله لقد أخذتني إلى آفاق من النور والحبور والسرور ، ولكم تمنيت لو طال المقال لأسمع الشيخ يخرج عن صمته ولكنهم قد يؤدبون بالإشارة بما يغني عن ألف عبارة أشكرك كثيرا على ما كتبت وأسأل الله لك توفيقا بالغا يبلغ بك ما تتمناه في رضاه ، ولتعذرني على تأخري في القراءة فقد كتبته فضيلتك في العاشر من يناير وكنت في ذلك التاريخ في مصر ولم يكن عندي كمبيوتر فعذرا ثم عذرا فأنت تعلم أني أتشوق لقراءة ما تكتب وأترقبه حينا بعد حين ، فلا تحرمنا من تلك الروائع فأنت مبدع لكن تبدع أكثر حين تروي أو تقص ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) | |
|