سبق القول بأن الاستشراق حركة معرفية قام بها المثقفون الغربيون منذ أواخر القرن السابع الميلادي بهدف التعرف على دين الإسلام الذي انتشر في العالم انتشارا لا تضارعه في سرعته أية ديانة أخرى .
وقد كانوا مدفوعين بدوافع الحقد والحسد في حركتهم هذه ؛ حيث إنهم كانوا وما زالوا يعتبرون أن كل أرض كانت تدين بالمسيحية ثم أسلم أهلها – يعتبرونها أرضا مغتصبة من الكنيسة ويرون أن السعي في سبيل عودتها واجب مقدس ينبغي أن يبذل في سبيله كل غال .
ومن أجل هذا كان الدافع الديني من أهم بل هو الدافع الرئيس لحركة الاستشراق الغربي حيث كانت تهدف هذه الحركة إلى إيقاف التأثير الإسلامي في العالم الغربي وإيقاف نمو الإسلام الذي يزداد انتشارا في الغرب -الأوروبي والأمريكي – بفضل قوته الذاتية وقدرته الجاذبة لكل ذي عقل ناضج أو صاحب فطرة سليمة .
ولم يكتف المستشرقون بمحاولات إيقاف انتشار الإسلام في الغرب بل زادوا الطين بلة بمحاولاتهم الفاشلة في تشكيك المسلمين في دينهم ومحاولة هز معتقداتهم في نبيهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وفي كتابهم وفي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وسيرته العطرة .
وقد اعتمدوا على ترويج الشبهات الباطلة عن الإسلام ، فأنشأوا الجامعات وألفوا الكتب وألقوا المحاضرات ، وعقدوا المؤتمرات ونشروا الصحف ، واستخدموا هذه الوسائل وغيرها في تشويه الإسلام وصد الناس عن سبيل الله وصدق الله العظيم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36)
وقد ذهبوا في أباطيلهم كل مذهب إما بالافتراء الباطل وادعاء ما لا حقيقة له كزعمهم أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم كان في مطلع حياته قسا يريد الوصول إلى درجة البابوبة ولكن الكنيسة طردته فذهب إلى الشرق وأسس ديانة جديدة يحارب بها الكنيسة !!!!
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قلية
وهناك أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل يعف القلم عن ذكرها وكلها تعتمد على ادعاء ما لا أصل له على الإطلاق ، وقد استطاعوا أن يقنعوا العامة من شعوب الغربيين بهذه الضلالات عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ونجحوا إلى حد كبير في صد الناس عن خير خلق الله قاطبة صلى الله عليه وسلم .
ولذا أخي الكريم لا تستغرب من الحملات الظالمة التي يشنها الغربيون بين الحين والحين على النبي صلى الله عليه وسلم مثل نشر الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وهجوم بندكتوس بابا الفاتيكان على الإسلام في محاضرة عامة ......إلخ ، فهذا قل من كل ، وما خفي كان أعظم وهذا كله يتحمل وزره المسشترقون الأوائل الذين أثقلوا الذاكرة الغربية بكل ما هو مفترى على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم .
وهذا المخزون يزيد يوما بعد يوم ويتراكم بفعل حركة الاستشراق التي ما زالت تبث سمومها عبر الوسائل الإعلامية الحديثة وما أكثرها وما أشد فاعليتها .
ولذا علينا أن ندرك أن هذا الألماني المتعصب ضد كل ما هو إسلامي فقتل أختنا الشهيدة مروة الشربيني عليها رحمة الله ورضوانه دون ذنب إلا أنها مسلمة محجبة محتشمة هذا المتعصب لم يفعل ذلك اعتباطا ولكنه يعبر عما لديه من مخزون ثقافي مشوه عن الإسلام هذا المخزون وضع أساسه المستشرقون منذ قون وروج له الإعلاميون الحاقدون ، لقد رسبوا في ذاكرته أن الإسلام دين اإرهاب ودماء وأن القرآن كتاب كفر وكراهية وأن محمدا [صلى الله عليه وسلم] إنما بعث بالسيف في يد والمصحف في الأخرى .. نعم الغربي في الأعم الأغلب يعتقد هذا عن الإسلام بل وأكثر من هذا ...
ولماذا نذهب بعيدا وكتاب الله في أيدينا فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا ، لقد شخص لنا الحالة من قبل ظهورها فبين لنا أن الذين يسارعون في الكفر ويدعون إليه لم يأخذوا الإسلام من مصدره الأصيل ولكنهم سمعوا عنه من قوم آخرين وهؤلاء القوم الآخرون يحرفون الكلم عن مواضعه ويذكرون عن ديننا ما لا حقيقة له قال تعالى :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:41)
ومن هنا يتأكد واجب الدعوة إلى الله على المسلمين في العالم كله ، ويتحتم عليهم تعلم ألسنة ( الناس ) جميعا وإجادة لغاتهم وهذا يفيدنا في أمرين :
الأمر الأول : أن نعرف ما يقولونه لأقوامهم وما يكتبونه لهم عن الإسلام وهذا واجب كلفنا به النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمر صاحبه زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود لأنه لا يأمنهم على كتابه فتعلمها رضي الله عنه في خمسة عشر يوما .
أخرج الإمام أبوداود في سننه من حديث زيد بن ثابت قال : أمرني رسول الله فتعلمت له كتاب يهود ، وقال إني والله ما آمن يهود على كتابي فتعلمته فلم يمر بي نصف شهر حتى حذقته فكنت أكتب له إذا كتب وأقرأ له إذا كُتب إليه " سنن أبي داود كتاب العلم باب رواية حديث أهل الكتاب.
الأمر الثاني : أنه بعـلمنا بهذه اللغات نستطيع أن نخاطب هؤلاء الناس وأن نكشف النقاب الأسود الذي غطى به المستشرقون وجه ديننا وعندما نكشف هذا النقاب يسفر الوجه المشرق لدين الإسلام دين العدل والسلام .
وقد بين الله تعالى ضرورة تعلم لغات الناس جميعا في سبيل الدعوة إليه تعالى فقال :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (ابراهيم:4) فإذا كان كل نبي أرسل بلسان قومه أفلا يكون من واجب الأمة الخاتمة أن تجيد ألسنة الناس جميعا لتخاطبهم بها ؟ نعم وإلا فكيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما كلفها الله تعالى :
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)
ولكن ذلك لن يتم على وجهه الأكمل بجهود فردية أو عن طريق تشكيل جمعيات إسلامية مضطهدة في الغرب ولا نصير لها إلا الله .
لن يتم ذلك على وجهه الأكمل حتى تساند الدول الإسلامية ممثلة في حكوماتها هذه الدعوة ذلك إذا كان يهمها أمر الإسلام ...والله المستعان .