من أمثال القرآن

يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم:( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
والله تعالى قد ضرب الأمثال في قرآنه لتقريب صورة المعنى المراد الحديث عنه بما هو معلوم ومقرر للإنسان حتى تتضح الصورة أمامه وتتقرر الحقيقة واضحة جلية
فإن كان المعنى المراد تقريره أمرا من أوامر الدين أورد القرآن الكريم له مثلا مما يحبه الإنسان في واقعه تشجيعا له على الامتثال كما مثل حال المنفقين بحال الحبة التي أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، وذلك تشجيعا على الإنفاق في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
أما إذا كان المعنى المراد تقريره نهيا، فإن القرآن يورد له مثلا مما يكرههه الإنسان في واقعه حتى ينفره من ذلك أشد التنفير، كما مثَّل حال اليهود في عدم انتفاعهم بالتوراة التي بين أيديهم وفيها هدى ونور – بحال الحمار الذي يحمل الكتب النافعة لكنه لا يستطيع الإفادة منها، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
وفي ذلك إلزام للمخاطب بالحجة التي لا يستطيع معها الفرار بعدما وضح له المعنى وتبينت أمامه الطرق، وعليه بعد ذلك أن يقرر أي الطرق يسلك كي لا يكون لأحد حجة على الله يوم القيامة
ومَثَلُنا اليوم الذي اخترنا الحديث عنه: ما أورده القرآن الكريم في معرض الحديث عن الغيبة تنفيرا من ذلك الفعل الشائن وترهيبا من مغبة عاقبته، وبيانا لسوء حال آتيه
يقول الله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)
لقد صوَّر القرآن حال من يغتاب أخاه في غيبته تصويرا قاسيا إلى أبعد درجة تنفيرا من الوقوع في أعراض الناس
إنه كالسبع الضاري الذي يكتم أنفاس فريسته حتى تزهق روحها ثم ينقض عليها بلا رحمة ولا شفقة يمزق جلدها ثم يقطع لحمها ويتناوله بشراهة وضرواة وهي بين يديه جسد لا روح فيه يقلبها كيف يشاء مقطعا لحمها منتشيا بذلك أشد الانتشاء
أرأيتم تلك الصورة إنها بالضبط صورة المسلم حين يجلس في مجلسٍ يدير الشيطان اللعين دفة الحديث فيه، ويحاول قدر استطاعته أن يجتذب الجلوس إلى شخص بعينه غائب عن مجلسهم ولا يزال بهم مستدرجا حتى يقعوا في عرضه بكلام يسير خفيف، ثم ينهمر الحديث بعد ذلك انهمارَ المطر فلا ينتهي المجلس حتى يكونوا قد جرَّدوا أخاهم من كلِّ شيء....... كلِّ شيء، لا يتركون له شيئا يحتفظ به : لقد اعتدوا – من حيث يشعرون أو لا يشعرون – على شخصه، وأخلاقه وعلمه، وطباعه، وربما يتطرق الحديث عن زوجه، وأهله، وأبنائه، وبناته، وأبيه، وأمه، ولا ينتهي المجلس حتي يكون أخوهم جثة هامدة طريحة لا تصلح للحياة، ومن عجبٍ أنهم يلقونه من الغد فإذا الأحضان والقبلات والتحايا الحارة.......... ما أعجب البشر!!!
والصورة القرآنية بتفاصيلها الدقيقة التي رسمها القرآن تكشف عن ذلك
وما نظن أحدا من الناس قد سلم من الغيبة إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم، والأشد من ذلك والأنكى أن هذه الغيبة تقع بين طلاب العلم العارفين بأوامر القرآن ونواهيه ومع ذلك لا يتورع كثيرون منهم عن انتهاك أعراض إخوانهم وتمزيقها بحجج واهية وتعللات فارغة ليس لها من الصحة نصيب، إنهم يشرِّحون أخاهم كما يشرح الطبيب الجثة لا يترك فيها عضوا إلا وينقض بمبضعه عليه وإذا الجثة بعد قليل أشلاء متناثرة
ويا ليت الأمر يقتصر على الأحياء الذين تتردد في صدورهم أنفاس الحياة، بل يتعدى الأمر إلى الأموات الذين فارقوا الحياة، وما علموا أنه لا ينبغي للمسلم أن يستحل لنفسه أن يذكر أخاه الذي رحل عن الدنيا بكلمة تسوؤه لو كان حيا، وفي ذلك يقول سيد الخلق صلوات الله عليه وسلامه: ( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ماقدَّموا )
إن الميت قد رحل عن دنيانا بما فيها من الخير والشر فما بالنا لا نرحل عنه ونتركه لمصيره الذي يواجهه، ألا يمكن أن تكون دعوةٌ صالحةٌ له بالمغفرة بديلا عن انتهاك سيرته وهتك عرضه حتى وهو في دار الحق
يا لقسوة البشر وجمودهم حين يبتعدون عن هدي الله
من أجل ذلك تتابعت النُّذُر في القرآن والسنة محذرة من مغبة عاقبة الغيبة
- فالرسول صلوات الله عليه وسلامه في خطبة الوداع التي رسم فيها الخطوط العريضة للإسلام قد أفسح لهذا الأمر مكانا في هذا البيان المهم حيث يقول: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا )
- وفي موضع آخر يقول صلوات الله عليه: (كل المسلم على المسلم حرام: ماله وعرضه ودمه)
- ويقول: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)
- ويقول: (لما عُرِج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)
- وقد يتعلل من يستحل لنفسه الوقوع في أعراض الناس بأن النبي صلوات الله عليه قد أجاز الغيبة في حق بعض الناس كالفاسق والعاصي المجاهر، والحق أن ذلك مقيد بضوابط شديدة جدا فليس كل الناس يملك ذلك الحق، إلا أن يكون صاحب مصلحة شرعية تجيز له أن يذكر ذلك من أخيه ؛ أما أن يستحل ذلك بحجة الأمر العام بجواز الغيبة فذلك خداع وكذب على الله ورسوله
نفترض أن في الناس رجلا عاصيا لله لا يجوز لك أن تستدعي سيرته وتنهش عرضه ما لم تكن هناك مصلحة شرعية، فقد ورد في السنة أن رجلا أقر بالزنا عند النبي عليه الصلاة والسلام فرجمه ثم وقع رجلان من المسلمين في عرضه فقالا: (ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجمَ رجم الكلب. فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى مَرّ بجيفة حمار فقال: أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، قالا: غفر الله لك يا رسول، الله وهل يُؤكل هذا؟ قال: (فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه، والذي نفسي بيده، إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها)
إنالزنا من الكبائر، ولكن الرجل تاب فتاب الله عليه، وانتهى الأمر فلا مجال لكلام أحد
أنت لا تدري بماذا يختم لك وبماذا يختم لهذا العاصي فالعبرة بالنهاية ، ومن يدري؟؟؟!!! نسأل الله تعالى حسن الخاتمة لنا ولجميع المسلمين
لقد ذكر العارفون بالله تعالى أن الوقوع في أعراض الخلق هو في الحقيقة غَيبة عن الله عز وجل، ولو استحضر المسلم أمام ناظريه معية الله، وعلم أن عين الله شاهدة تراه ما أقدم على ذنب أبدا
إن الغيبة في الحقيقة تدل على جبنٍ عند قائلها فلو كان شجاعا حقا طالِبا للحقيقة لواجه من يغتابه في وجهه، أما أن ينتهك عرضه في غيبته وحين يولي ظهره فذلك ضعف في الشخصية ، وسلبية لا تليق بالمسلم
يا طلاب العلم، ويا حملة القرآن، يا أمناء الوحي، تلك أوامر القرآن فهل نراجع أنفسنا وهل نحمل أنفسنا على مواجهة الحقيقة وهل نخبرها أننا مطالبون قبل الناس بتلك الأوامر حتى إذا دعوناهم كان لدعوتنا صدى في نفوسهم، وانعكاس على سلوكهم؟؟؟؟ ........... لعلنا نفعل!!!!
إنني أوجه ذلك إلى نفسي أولا وقبل أي أحد، وأسأل الله تعالى أن يسامحني ويتوب عليَّ بمنه وكرمه، وهي تذكرة لنا جميعا كي نستفيق قبل أن ينتهي الطريق، فإذا الصحف نشرت، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد، وقيل ما غرك بربك الكريم، عندئذ تبلى السرائر فما لنا من قوة ولا ناصر، وإذا الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، ونفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، ويقول العاصي لقرينه يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا
فما أجمل العودة قبل فوات الأوان
حتى متى وإلى متى نتوانى وأظن هذا كله نسيانا
إنا لنوعظ بكرة وعشية وكأنما يعنى بذاك سوانا
والموت يطلبنا حثيثا مسرعا إن لم يزرنا بكرة مسانا
فاعمل على مهل فإنك ميتٌ واكدح لنفسك أيها الإنسانْ
فكأن ما قد فات لم يك إذ مضى وكأن ما هو كائن قد كانْ
وإن غدا لناظره قريب
وما أجمل الاستغفار إنه يمسح الذنوب ويقرب من حضرة علام الغيوب
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه

جزاك الله خيرا على سهولة العرض وعمق الأفكار وحرارة الأسلوب
ذكرني قولك
(((إن الغيبة في الحقيقة تدل على جبنٍ عند قائلها فلو كان شجاعا حقا طالِبا للحقيقة لواجه من يغتابه في وجهه، أما أن ينتهك عرضه في غيبته وحين يولي ظهره فذلك ضعف في الشخصية ، وسلبية لا تليق بالمسلم )))
بقول المتنبي
وأكبر نفسي عن جزاء بغيبة
فكل اغتياب جهد من ماله جهد
يعني _ والمعنى في بطن الشاعر - أنه يستنكف أن يرد إساءة غريمة بأن يذكر معايبه ويغتابه , لأن هذا العمل حجة العاجز ودفاع من لاقوة له ولاجهد أما الرجال بمعنى الكلمة فلا يقدمون على ذلك.
وهذا يدل على أن الغيبة رذيلة إنسانية قبل أن تكون ذنبا عظيما
أرجو لك مزيدا من التوفيق

شكر الله لك يا أستاذنا الكريم على اهتمامك وتعليقك الطيب
وقد قرأت ردك للشبهة التي أوردها د/محمد علي، فلم تدع مقالا لقائل
فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيرا

جزاكما الله خيرا سائلا الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل وزادك الله علما وفضلا
نستغفر الله ونتوب إليه اين نحن كمسلمين من الإسلام الحقبقي ؟؟؟
أين نحن كقراء للقرآن من التدبر والتفكر في آياته ؟؟؟
أين نحن كمحبي للرسول صلى الله عليه وسلم من اتباع سنته واقتفاء هديه؟؟؟؟
أين نحن من أمة الوسطية في تحقيق الشهادة على الناس ؟؟؟؟
أين نحن من الجنة إذا لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟؟؟
أين نحن كمؤمنين نرى الظلم و انتهاك الحرمات من نصرة إخواننا المضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها ؟؟؟
الألم يعصر قلوبنا ورضا الله مطلبنا والأمل يعلو بنا ولكن تبقى حلقة مفقودة يجب علينا الإجتهاد في تحقيقها
وأظنها والله أعلم هي وحدتنا

» أمثال إنجليزية بالعربية
» آية الكرسي سيدة آي القرآن
» هجر القرآن
» تحميل كتاب كتاب أمثال الحديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي
» صاحب مبادرة حرق القرآن بتجاهل تحذيرات قائد القوات الأمريكية في أفغانستان